السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مــرَّ عـــامٌ، أهــكـــذا مــرَّ عــــــامُ
هــكـــذا طـــوَّفـتْ بنــا الأيَّــــــامُ؟!
مــــرَّ عـــامٌ، كــأنَّمــا مــرَّ شهــرٌ
عـجـبــاً، هـل تــلاشـت الأعـوامُ؟!
كـيف صـــار المـولود فينا رَضيعاً
ومـتـى حُــقَّ للــرضيــع الفِطـَامُ؟
ومـتـى أصبــح الفَطيــم غُــلامـاً
ومـتــى جــاوز البــلـوغَ الغُـلامُ؟
ومـتــى أصـبـح الغُـــلام لــدينـــا
رجــلاً، تَحتــفي بـــه الأقـــــــلامُ؟
ثـــم أضحــى شيــخـــاً حـنـَتْه الليالي
فـهــو كــالجــذع مــالَ منــه القَـوامُ
ليت شعـري، أهكــذا العمـرُ يَمضي
حـيـن يمضـي، ومـا يُحـسُّ الأَنـامُ؟؟
كـنـتُ فــي ســاحــةِ المـطاف وقلبي
مُـطمـئــنٌّ، والطَّــائـفـون الْتــِحَــــامُ
كـنـت فــي ســاعــةٍ، تحــلِّق روحي
فــي مَــداهـــا، وتُـشــرق الأحـــلامُ
هـــا هنــــا تــلـتــقــي نـفــوسُ البَرايا
يـــافــثٌ هــاهُـنـا و حــَامٌ و سَـــــامُ
صــورةُ الحـــجِّ لــوحةٌ مـــن جـلالٍ
تـتـجــلــى فــيـهـا أمــورٌ عـظـــــامُ
كـنــت أسـتـوقــف الخيـــالَ فيـأبــى
كـيــف بــاللهِ، يُــوقَـفُ الإلـهــــــامُ؟!
طــافَ بـي حينـَها شعــورٌ عجـيبٌ
بســـؤالٍ يُمـــاطُ عنـــه اللِّـثــــــــامُ
مَـــوْسِـــمَ الحـــجِّ، كـيف عُــدْتَ إِلينا
بــعــد شهــرٍ، وَوَعــْدُ لـُقْـيـاكَ عامُ؟
كـنـــتَ بــالأمس عندنا، دون شكٍ
نــظـــري فـــيكَ دائـمــاً لا يُضـامُ
كنتَ بالأمس في المشـاعر تمشي
فـي خشــوعٍ، لبــاسُــكَ الإِحـــرامُ
حـــولَك النـــاسُ بــالأُلــوفِ تـلبِّي
فـتــجــيب البـِطـــَاحُ والآكــــــــامُ
كــنــتَ بــالأمس في المقام تُصلِّي
لـــو ســـألنـا، أجاب عنك المقـــامُ
كـنــتَ تـــرمـي الجِمَارَ بعد زَوالٍ
للحصــى، حـينمـا رَمَيْتَ، ضِـرامُ
كــنتَ بــالأمس في طـوافِ وداعٍ
تســـأل اللهَ أنْ يطيــــب الختــــــامُ
أوَ مـــا بِتَّ فــــي مِنـــَىً قبـلَ شهرٍ
ودليـــــلي عـلى المبيـتِ الخيــــامُ
أوَ مـــا كُنـــتَ فـــي رُبَى عـَرَفاتٍ
واقــفـــاً، والجـمـــوعُ فـيهــا قيــامُ
أيُّـــهـا الحَـــجُّ، كيف عُدْتَ، أَجبْني
قــبـــل أنْ يُعــجـــزَ اللِّسانَ الكلامُ؟
أنتَ رُكـــْنٌ مـُخصَّــصٌ بـزمــــانٍ
مثـــلمـا خُـصَّ بالــــزمانِ الصِّيامُ
فـلمـــاذا أتـيتـنـــا بعــد شـهــــــــرٍ
قـبـــل أنْ يتــركَ العيـونَ المَنـــام؟
مــدَّ كـــفَّــا إلــيَّ، يــمســح رأســي
وعـــلــى ثغـــره يـلــــوح ابتســـامُ
قــــال لـــي ضاحـكـاً : لقد مرَّ عامٌ
مــنـــذ ودَّعـتـكــم، وأنـتـم نيـــــــامُ
ودلـيــلـــي، هـــذي المـشـاعر تـنمو
وعـليـهــا صَــرْحُ العــَطــــاءِ يُقـــام
كــــلَّ عــــام تمــتــدُّ فيــهــا جســورٌ
ودروبٌ، بـهــا تـخــفُّ الـــزِّحــــــام
خـِـــدْمَـــةٌ للحجـــيــج تُســعـد قــلبي
واحــتـفـاءٌ بشــأنــهـم واهـتـمـــــامُ
خـَيْــرُ هـــذي البـــقاع يَمْتَــدُّ فـوقي
كــــلَّ عــــامٍ، كــــما يُـــمَــدُّ الغَمام
مَـــرَّ عـــامٌ عــلى طــوافِ وَدَاعــي
حَـــدَثـتْ فـيـــه حـادثــاتٌ جِسَــــــامُ
ودليـــلي تَجــــدُّدُ الجـــرحِ فيكــــــم
والنـفــوسُ التــي طَــواهــا الحِمــَامُ
والـبيــوتُ الــتي تُــهــدَّم ظُـــلْــمــَاً
والـضـحــايـــا، والقتـــلُ، والإِجرامُ
ودليـــلي انتفـــاضــةٌ فجــَّرَتــْــهـا
فــي فـــلسطـــينَ طــفـلـةٌ وغُــلامُ
والثـَّكـــالــى، قـــلـــوبهـنَّ انكسارٌ
يـتـلـظَّــى بـبـؤسهــا الأَيـتـــــــامُ
ودلــيــلــي الشــيــشـانُ تُخْبِرُ عنها
كــلَّ يــومٍ أشـــلاؤهـــا والحـُطــَامُ
ودليــلي كشميــرُ فــي القــلب منـها
حَـســراتٌ، لهـــنَّ فــيــه احـتــــدامُ
ودلـيــلي العـــراقُ مـــا زال يبـكي
ويُــغــنِّي بجــرحـــــه )صَــــــــدَّامُ(
لـــو ســـألنـــا بغــــدادَ عنـــه لقالتْ
صـِحَّـــةُ الاســـــم عـــنـــدنــا )هَدَّام(
ودلـــيــــلي نــهــــايـــــةٌ لنـــظــامٍ
عـــالـمــــيٍّ يَـفـــرُّ منـه النِّــظــــامُ
وانـكـشــافُ الغــطــاءِ عَمَّـا يُسمَّى
بســـلامٍ، ولــــيس فيــــه سَـــــــلاَمُ
مـَـــرَّ عــــــامٌ، لــــديَّ أَلْـفُ دليــــلٍ
فــلمـــاذا تَسْــتَـغــلــِقُ الأَفهــــــــــامُ؟
مــــرَّ عـــــام شهــــوره نـــاطقـــاتٌ
مــــا بهـــــا لـــَكــْنـَةٌ ولا إِعـجـــــامُ
تُشـــرق الشمـسُ فيـه كلَّ صَبــاحٍ
ويُغطّيــه فــي المســاءِ الظــــلامُ
وَيَهُــلُّ الهــــلالُ فيـــه، ويبـقــــى
فـــي نُمـــوٍّ، حتــى يكــونَ التَّمَامُ
مــرَّ عـــامٌ، هـــذي الحقيقـةُ، لكنْ
أنتـــم الغـــافـلــون عمَّــــا يُـــرامُ
صـــار يُلهيكـــم التكـــــاثُرُ حتى
فَرِح َ )القَسُّ( وانتشى )الحَاخامُ(
وبــدا للبعيــد منـكــم خضــــوعٌ
فــــرمــاكـم، وطــاوعتْه السِّهـامُ
لــم يُصـِبْكـــم إلاَّ لأنَّ خُـطــاكـــم
وقـفـتْ حَــيْثُ ســاخـت الأَقــــدامَ
وإذا نـــالــــت الـمــذلَّـــةُ قــــومــاً
طــافَ أعـــداؤهم عليهم وحامـــوا
واسـتبــاحـــوا دَمَ الكــرامةِ فـيهـــم
لـيت شعــري متـى يُفيــق الكـرامُ؟!
فـلمـــاذا تُـخـبِّــئـونَ رؤوســــــــــاً
مثـلمــــا تـدفن الـرؤوسَ النَّـعَــــامُ؟
مـــوســمَ الحــجِّ، يـــا حـــبيبَ قــلوبٍ
صـــاغــهـــا مـــن ضيـــائـه الإِسـلامُ
مــــرَّعـــامٌ، نعــــم، ولـكــنَّ مثــــلي
فــي مَــرامي ســؤالــهِ، لا يُــــــــلام
قَــصُــرتْ خُـــطْـــوَةُ الـزَّمــانِ وفـينـا
أيُّـهـــا المـــوسم الحـــبيــب انهــــزامُ
أثـقـلـتْـنـا بـالهــمِّ دُنـيــا، هَــــواهـــــا
طُـــحْــلُــبيٌّ، والــوَجْــهُ منهــا جَهَـامُ
بـعـضُـنـا لــم يــزلْ يُـخــادع بعـضـاً
ولَــكَــم يَــتْـبَـــعُ الخــداعَ انتـــقــــــامُ
كــــلـُّـنـــا نـعـرف انتـقـاصَ اللَّيـــالــي
وقـلـيــلٌ منَّــــا الــذيــــن استـقــامـــــوا
كــلُّــنــا، أيُّـــهـــا الـحــبيـبُ نُغـــنِّي
غـيـــرَ ألحـــانِ مجـــدِنا، والـسَّــلاَمُ
عبد الرحمن العشماوي