[c]يعيش الواقع الإسلامي والعربي اليوم أزمة كبيرة ، ومهما كان تأثير تلك الأزمة على مجريات الحياة فإن عمعمة الأعين عنها هو الأبرز ، وما ذاك ليحدث إلا لبعد الكثير عن تحقيق ذاته أولاً ، ولعدم حرصه ثانياً . فما الذي يجعل الإنسان المسلم يتغاضى عن أمور لا يسكت عنها ، وكأنه بتلك الحال لم يسمع بحديث السفينة وما حدث فيها ( فإن أخذوا بيده ومنعوه نجوا معاً ، وإن هم تركوه غرقوا معاً ) . ما الذي يحدث بالفعل في واقعنا المعاش؟ هل أصبحت الصراحة هي العدو الحقيقي لأي ردة فعل قد تكون أحياناً ساذجة ؟ ينتابني شعور بالحزن عندما أتذكّر أننا غير قادرين على كشف الحقائق أمام الناس . إن من لديه الجرأة على قول الحقيقة هو إنسان معادي لكل النجاحات التي تتحقق والتي لا يراها إلا أصحابها ، أما غيرهم فلا هي صالحة لهم ولا هي بادية لهم . من يجرؤ لقول الحقيقة هو إنسان يوصف بالغدر والخيانة فهو الذي يتتبع عورات الناس ، وهو الذي يوقظ الناس ويؤجج فيهم روح الحماقة ، وهو الذي يعاني عقدة نفسية أمام انتصارات الغير فهو يريد طمس معالم أي نجاح لأنه غير قادر على تحقيق نجاحات القادرين على التمام . هكذا تعلمنا الأيام ، وهذا ما يسير به ركبها . فهل لنا بعد ذلك من قائمة ؟ إن الإنسان الغيور ما هو إلا شخص أراد من صراحته أهدافاً شخصيةً بحتةً وإلا فما أجبره على قول الصراحة في زمن لا يعرف موطناً لها . ذلك الإنسان الذي يبحث ويتحرى الصدق ما هو إلا متحري للكذب حتى يقع في الفجور المعروف لدى سادات الصديقين فيكذب ويتحرى الكذب حتى ينحرف إلى طريق لا عودة فيه يذهب إلى مكان ضيّق وهو سواء فوق التراب أم تحته . إن المتوخي الصدق والباحث عن الحقيقة ما هو إلا حاقد على خيرات يعيش بها الصديقون الذين يعرفون كنه الصدق وحرارة الصراحة . هذا المندس إلى عالم المثل يريد أن يعصف بكل جمال فهو دخيل إن لم يؤدب أو يطرح أرضاً ، فمن الذي سمح له بالدخول لأرض الأحلام والنقاء ؟ هل أتى ومعه سيفه ودرعه إلى أرض معركةٍ الخاسر فيها الصراحة ؟ وهل هو بطل إلى درجة أن يأتي إلى خصومه في ديارهم ليفسد عليهم بلهنيتهم ، وحياتهم الرغيدة ؟ أم أنه مختبئ يتحين الفرصة كي يهجم عليهم مرة واحدة ، ويقضي عليهم بضربة سيف مصقول ؟ ذلك الإنسان الصريح قد جاوز مرحلة الجنون ، فمن غير المعقول إن يأتي شاهراً سيفه في وجوه سادات الصدق ورجالاته . ذلك الإنسان خاسر لا محالة فمن يقدر على إزاحة صخور الجبال إن لم يملك ما يفجّرها تفجيراً . هذه هي الحقيقة فليس باستطاعة أي إنسان كشف الحقائق إن لم يكن مسموحاً له بسرد بعض أخبارها ، أما غير ذلك فهو عاجز عن تحقيق مراده . ففي هذا الزمن أصبح البطل جباناً . ليس لأحد مقدرة على الاطلاع على كنه الحقيقة المزعومة وما على مكذّبهم إلا الصبر لعدة قرون حتى يأتي رجل من قرن متقدّم ليقول له الحقيقة . هذا ما تلقننا به الأيام ، وهذا ما تعلمنا من التاريخ . فإذا أردت أن تكون بطلاً حقيقياً فلا تسرف في الأحلام فإنك ستصحو يوماً في مكان ضيّق لا هواء فيه هذا إن لم يذر على جسدك التراب . [/c]
كتبه
التاج في 20/5/1424هـ
العرض العادي
