الشيخ إبراهيم البليهي وحديث عن التاريخ المسكوت عنه ..
الشيخ إبراهيم البليهي الناقد والكاتب والمهتم بقضايا التاريخ العربي تحدث الى جريدة الندوة حديثا مهما وصريحا
واليكم مقتطفات من الحوار الذي أجراه معه الصحفي حسين القحطاني ... هذه المقابلة ربما كانت في 2004
س/ بداية كيف نقدم تاريخنا العربي للجيل القادم ؟
ج/ من أكبر الأخطاء التربوية والمعرفية ان العرب يقدمون تاريخهم لابنائهم مليئا بالتمجيد وهالات التقديس وخاليا من المراجعة المحايدة والتقييم الموضوعي وكأنه بأجمعه صلاح مطلق وأمجاد صافية ، أي كأنه ليس من البشر الذين تلازمهم الأهواء والنقائص والأخطاء ، مما أطفأ في الاجيال العربية حاسة التمحيص وحرمهم من الرؤية الموضوعية وأنشاهم على الاستسلام لاي وضع ، وأصاب بنيتهم المعرفية بالخلل والعطب وملأ حياتهم بالنحيب على الماضي المجيد .
س/ ماهي الملامح الأساسية في تصوركم لمسارات التوجيه عند العرب ؟
ج/ اختلاف اوضاع الامم ناتج عن الاختلاف في منظومات القيم ، وحين ندرس التاريخ العربي نجد ان السلطة والوجاهة والنفوذ هي القيمة المركزية التي توجه حركة المجتمع العربي في كل المجالات وتتحكم في سلوك الناس ، فكل شئ يؤدي إلى السلطة يوفر النفوذ أو يضمن الوجاهة أو يحقق المال هو في نظر الانسان العربي شئ يستحق ان يضحى من اجله بأي شئ وكل شئ يعوق هذه الغاية المحورية هو شئ يجب سحقه حتى ولو كان قتل أعظم الرجال وحرمان الأمة من انضج وأصلح القدرات أو هدم الكعبة واستباحة المدينة المنورة او إبادة آل الرسول عليه الصلاة والسلام .
س/ على ماذا تستند في هذا الكلام الذي يحمل نوعا من الغرابة ؟
ج/ لابد ان نعرف ، ان العرب تمنعوا عن قبول الاسلام تمنعا شديدا وبطيئا ، ولم يستجب له معظمهم حتى أصبح انتصاره حقيقة واقعة وبات وأده مستحيلا ، ثم انه قبل أن يقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرالتنازع على السلطة ، وماكاد ينتشر خبر وفاته حتى ارتد معظم العرب وثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة قتلوا غدرا ، وعمر بن عبد العزيز مات مسموما ، وقبل ان يجف قبر النبي صلى الله عليه وسلم قامت دولة الاسلام نفسها بغزو مدينته واذلال أحفاد انصاره ، كما قامت بهدم الكعبة واعمال القتل باهلها الأمنين واغتيل الحسن بن علي بالسم الممزوج بالطعام وصلب عبدالله بن الزبير وكانه من قطاع الطرق ، وبعد سنوات قليلة من موت الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه قومه في اهله شر خلفة فبعد ان فرغوا من صلاتهم التي فرض عليهم فيها الصلاة على محمد وعلى آل محمد ولكنهم بعد صلاتهم المليئة بالتمجيد اللفظي لآل محمد قاموا بقتلهم جميعا سوى طفل واحد انجاه الله من القتل فحفظ النسل النبوي ، لقد كانت مذبحة فظيعة لم يشهد التاريخ لها مثيلا من قبل ولا من بعد في أية امة تحترم نفسها . ومع هذا يمر التاريخ العربي بهذا الحدث المروع كحدث عابر مبرر ولم يكتف القتلة بالذبح المهين وانما داسوا الجثث الطاهرة بالخيل إمعانا في الإذلال والتنكيل والانتقام ، ونخزوا الجثث الكريمة بالخناجر والسيوف تعبيرا عن الكره والحقد وقطعوا رؤوس الرجال الصلحاء كما تقطع رؤوس الخراف وطافوا برأس الحسين في الامصار كما يطاف بأعتى المجرمين ولم يفعلوا ذلك جهلا بهويتهم وانما كانوا يعرفون انهم يفعلون كل هذه الشناعات بآل الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كفلهم الله يصلواعليهم في كل صلاة .
كل هذه التناقضات الشنيعة تحصل دون ان يحس بها الانسان العربي لان الاحداث المروعة تقدم بصورة عابرة ومبررة .
س / ومن يوافقك هذه الأراء والمتغيرات التي تتحدث عنها ؟
ج/ الذين وعوا هذه التغيرات والتناقضات الحادة فانهم بعد اربعة عشر قرنا من هذه الأحداث الشنيعة المروعة يشعرون بالعار ان يحدث هذا في تاريخ امتهم ، وعلى سبيل المثال فإن المبدع السوداني الطيب صالح يصف الجيش الذي أباد آل الرسول فيقول : كأن الشياطين ظهرت في صورة المبشر ، تجد ذلك اوضح مايكون في سلوك سنان بن انس الذي حمل رأس الحسين ووقف به على فسطاط عمر بن سعد وأخذ يصيح كانما تلبسته الشياطين
أملا ركابي فضة وذهبا................قتلت خير الناس أما وأبا
انا قتلت السيد المحببا............. وخيرهم إذا ينسبون نسبا
هكذا يعلن هذا الفاجر بأنه قتل خير الناس أما وأبا ، فهو لا يجهل من هوالقتيل ولكن هذه المزية الكبرى عنده تهون امام حب السلطة وحب المال ، فالمهم ان تملأ ركابه فضة وذهبا