الأحد 10 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 27 مايو 2007م جريدة الوطن العدد (2431) السنة السابعة

عبدالله صادق دحلان
ضريبة أرباح البنوك لدعم العمل الاجتماعي
ما دفعني اليوم لأن أكتب مقالتي وكلي ألم وحسرة على الدور الاجتماعي الباهت للبنوك السعودية و الدور السلبي لبعض كبار رجال الأعمال السعوديين ، فالبنوك السعودية التي تعمل بكل حرية وبحماية كاملة من مؤسسة النقد وبضمان شبه مؤكد لحقوقها من لجنة التسويات البنكية وليس عليها أية رسوم أو ضرائب تدفعها للدولة ، وتضع الشروط والعراقيل أمام تنمية المؤسسات الصغيرة وتوجه معظم قروضها للشركات الكبيرة والمشاريع العملاقة وهي في هذا تحرص كما يصرح بعض المسؤولين فيها بأنها تحمي حقوق المساهمين وهي في الحقيقة تعمل حسب أهواء رؤسائها ومديريها العامين ولا توجد سياسة موحدة لدى البنوك تطبقها في الأعمال ذات البعد الاجتماعي .
ولهذا نجد أن الدور الاجتماعي للبنوك التجارية والإسلامية يرتبط بمزاجية رؤسائها والمسؤولين فيها أو يرتبط بالضغوط الموضوعة على رؤسائها بصرف النظر عن العدالة في توزيع أنشطتها الاجتماعية ، وعلى سبيل المثال يتبرع أحد البنوك السعودية بمبلغ عشرة ملايين ريال لإحدى الجامعات الأهلية ويرفض لبعض الجامعات الأهلية مساهمة لا تتجاوز المئة ألف ريال ، وهذا يؤكد مزاجية وعلاقات رؤساء البنوك ويؤكد أن البنوك السعودية أكبر المستفيدين من المجتمع السعودي وأقلهم فائدة له ، ويؤكد أن المليارات من الأرباح المتحققة والمعلن عنها في الصحف اليومية هي أرباح تذهب لفئة محدودة وهي المالكة والمسيطرة على بعض سواء بأسمائهم أو أبنائهم أو عوائلهم وبصرف النظر عن الملكية ، أتساءل : لماذا لا تضع البنوك السعودية خطة وإستراتيجية لدعم البعد الاجتماعي في أعمالهم البنكية؟
والقضية ليست التبرع المادي وإنما أستهدف من طرحي اليوم المشاريع التنموية الطويلة المدى كتمويل الإسكان طويل المدى لذوي الدخل المحدود بسعر فائدة متدن جداً على أن يعتبر فرق قيمة الفائدة المخفضة مساهمة اجتماعية من البنك لذوي الدخل المحدود ، وأيضاً وبنفس الطريقة تمويل المشاريع ذات الخدمة الاجتماعية سواء تعليمية بمختلف المراحل أو صحية أو مراكز خدمة اجتماعية شريطة ألا يكون التمويل بشروط القروض التجارية المعقدة وكما أسلفت بأنه يمكن استبدال التبرع بتمويل بدون فائدة وهو اقتراح يضمن البعد الاجتماعي والتنمية الاجتماعية ويضمن للبنك أمواله عوضاً عن التبرع بها فقط .
أما دور البنوك في دعم البحث العلمي فهو دور مفقود ، وإن وجد في بعض الأحيان كما ذكرت ، يرتبط بالقرار المزاجي أو الضغوط الاجتماعية ، وكم من تبرعات من بنوك كان سببها إما مجاملة لعميل أو مجاملة لمسؤول أو مجاملة لابن رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام فلماذا لا توضع خطة للبعد الاجتماعي في العمل البنكي يناقشها مجلس إدارة كل بنك تستهدف التوزيع العادل للخدمات الاجتماعية في جميع أنحاء المناطق التي يتواجد بها فروع للبنوك ويضع لها ضوابط وشروطاً لا يمكن الخروج عليها؟.
أما دور بعض رجال الأعمال السعوديين أصحاب المليارات فهو أيضاً دور هامشي في معظمه وقد يكون لهم دور نشط وفاعل في خارج المملكة مثل الذي تبرع بعشرين مليون جنيه إسترليني لإحدى الجامعات في بريطانيا كما طالعتنا الصحف آنذاك ويرفض تبني عشرة طلبة للدراسة في إحدى الجامعات الأهلية في المملكة . والأمثلة عديدة لأولئك الذين تبرعوا لبعض الجامعات الأمريكية والعربية بعشرات الملايين من الدولارات ولا نعلم عن ذلك إلا من خلال الصحف الأجنبية .
أما تبرعاتهم في المملكة فيصرف للإعلان عنها في الصحف السعودية بقيمة تساوي عشرة أضعاف قيمة التبرع الفعلي . إنه من المخجل فعلاً أن يعلن في جميع الصحف السعودية عن تبرع بما قيمته خمسون ألف ريال ويصرف عليه مادة إعلانية تساوي خمسمئة ألف ريال وعلى فترات متتالية ومن يتتبع النشاط الاجتماعي لبعض رجال الأعمال يلحظ هذه الظاهرة الإعلامية ، رغم أنني لست ضد الإعلان عن الدور الاجتماعي لأنه حافز للآخرين ليتنافسوا فيه إلا أنني ضده عندما لا يتساوى الإعلان مع قيمة المعلن عنه، أو لا يليق التبرع بالمتبرع .
إن تاريخ العمل الاجتماعي أو البعد الاجتماعي للعمل الخاص في العالم الغربي يبرز لنا مدى أهمية وفاعلية القطاع الأهلي ودرجة تفاعله مع المجتمعات ويعتقد بعض رجال الأعمال في المملكة أن دفع الزكاة كاف وهو البعد الاجتماعي في أعمالهم رغم أنهم يعلمون جيداً أن الزكاة ركن شرعي في ديننا الإسلامي وهو حق شرعي عليهم ولا فضل لهم فيه لأنه مكمل لدينهم. أما ما أقصده فهو متفق عليه دولياً وينص عليه في العديد من الاتفاقيات وفي بعض الدول مثل الولايات المتحدة تقبل بعض الجهات المعنية بالضرائب حسم جزء كبير منه من قيمة الضرائب.
أما في بلادنا حيث لا توجد ضرائب على الدخل أو الربح فيفترض أن يبادر رجال الأعمال أو الشركات والمؤسسات بوضع خطط معلن عنها للبعد الاجتماعي في أعمالهم ومن يعارض هذا التوجه أخشى عليه أن يأتي يوم وتشعر الدولة بقصور البنوك والقطاع الأهلي تجاه الخدمة الاجتماعية فتقرر ضريبة على الأرباح تصرف على برامج البعد الاجتماعي في العمل الخاص. وإن كنت أتطلع أن تفرض ضريبة الأرباح على البنوك في المرحلة الأولى شريطة ألا تدخل خزينة الدولة ، وإنما ينشأ جهاز متخصص تحت رقابة منضبطة وفق سياسات وخطط مدروسة توزع الدعم حسب الاحتياج في جميع مناطق المملكة شريطة أن يكون الدعم لخدمة المشاريع الاجتماعية الخدمية التي تدعم تطور المجتمع، وفي وجهة نظري أن على قائمة المشاريع التي تحتاج إلى دعم ومساندة موضوع (البحث العلمي) وهو أساس تطور الأمم وأساس تطور التنمية، وهو موضوع مهمل في بلادنا ويدعم وكأنه مشروع خيري يستعطف الميسورين لدعمه رغم أنه عنصر من أهم عناصر البعد الاجتماعي في العمل الخاص وليس بالضرورة أن تكون أبحاثاً اقتصادية وإنما في جميع المجالات التي يحتاجها المجتمع .
إن ما يدفعني إلى إعادة الكتابة في موضوع الدور والبعد الاجتماعي في العمل الخاص هو متابعتي المستمرة لبعض رجال الأعمال في العالم ومعظمهم غير مسلمين وبعض الشركات العالمية ومتابعتي لتبرعات بعض رجال الأعمال السعوديين لمؤسسات اجتماعية وبحثية وتعليمية في خارج الوطن. وإذا كان الحافز للتبرع متعلقاً بلقب يحصلون عليه مثل (لقب سير في بريطانيا) أو قلادة البحر أو النيل أو التصوير مع رئيس الجمهورية أو الملكة أو البابا فنحن أولى بمنح رجال الأعمال في بلادنا وسام الملك عبدالعزيز لرواد المساهمات الاجتماعية المتميزة أو تسمية شوارع بأسمائهم أو منح لقب معالي بدون حقيبة وزارية أو مسؤولية إدارية أو منحهم لقب سفير الخدمة الاجتماعية بجواز دبلوماسي وفوق كل هذا ندعو الله أن يمنحهم الأجر أولاً فتكريم الآخرة أهم وأكبر من تكريم الدنيا .