( جامعة الملك عبدالله ) كبت للحريات و تكميم للأفواه ..

[محمد المعتق]

[align=justify]

العلمانيون و الليبراليون و العقلانيون و أضرابهم .. في مرحلة سابقة أزكموا أنوفنا بتوجيه كل قضهم و قضيضهم على اليمين ( إذا اعتبرناهم يسارا ) ، فجلدوا الصحوة و رجالها ، و كان سلاحهم الوحيد الذي كانوا يعولون عليه - حين كان صوتهم مبحوحا - أن الصحويين و السلفيين و أضرابهم .. إقصائيون منغلقون و متحجرون ، و أنهم لا يقبلون الرأي الآخر بل يسفهونه و ربما كتموه حد الموت .. بل تعدى ذلك إلى التصريح بأن الصحويين يوغرون صدر الدولة - ورجالها - عليهم ليكمموا أفواههم ، و ليكتموا فكرهم ، و ليخنقوا مشاريعهم .. و تكاد لا تجد كاتبا منهم إلا ضرب له نصيبا من هذا كل بأسلوبه و كل بحسبه ..


تجاوزنا تلك المرحلة إلى مرحلة ( الانفتاح ) خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، حيث تغيرت الموازين ، و أصبح الصحويون و السلفيون و أضرابهم يدافعون عن أنفسهم فقط ، بعد أن كانت لهم الكلمة الأولى ، و بدء الليبراليون و العلمانيون و العقلانيون و أضرابهم يعلو لهم صوتا مستخدمين أدوات شتى ، مركزين على مسألة الحوار و أهميته ، و لم يكن خافيا أن ( بعضا ) منهم استند في كتاباته و ( حياته ) على سفارات أجنبية ، فأصبحت تلك المرحلة مرحلة حوار يدار بذكاء من قبل الليبراليين و من شايعهم ، و بحماس غير منضبط من قبل الإسلاميين .. و قد عمد الليبراليون و من معهم إلى توجيه الثناء و المديح إلى بعض ممن بدأ الحوار معهم بهدوء و عناية متقبلا منهم بعضا من بضاعتهم ..


ثم تجاوزنا تلك المرحلة إلى المرحلة الحالية التي سيطر فيها حزب الليبراليين و أضرابهم على الساحة الإعلامية ، و الواجهة السياسية ، و النقد الاجتماعي و السلوكي .. و خفت فيها صوت الإسلاميين إلا من نزر قليل لم يزل يحاول أن يبقى رغم كل التنازلات الكبيرة التي قدمت ..


قبل أيام ..
شهدنا ميلاد ما يتوقع بأنها أكبر جامعة في المملكة ، و ما يتوقع أن تكون علما في العلم و المعرفة ، و هي ( جامعة الملك عبدالله للعلوم و التقنية ) ، وهي جامعة انتظرنا ميلادها ، و بلا شك أنها ستلبي رغبة أهلم العلم و المعرفة في كافة مجالاتها .. و قد كان افتتاحها بكرنفال يليق بالطموحات المناطة بها و الآمل المعلقة عليها ..


و لإن الجامعة كبيرة ، فإنه من الطبيعي أن تحدث ضجة كبرى في الوطن و خارجه ، فأصبحت حديث المجالس ، و مادة خصبة للكتاب ، كما بدأت الآمال و الأحلام .. ( و الدعوات أن تتحقق ) .


كنت ممن سعد بهذه الجامعة ، كما كنت أعتبرها منارا للحرية ، و مكانا آمنا للانفتاح الحقيقي ، و رمزا في تغيير المجتمع السعودي إلى الأفضل ..


خلال الأيام الماضية تناول بعض الإسلاميين هذه الجامعة ، و لكن من زاوية ( ما سيحدث فيها ) و قد أبدى بعضهم الحكم الشرعي تجاه بعض القضايا ، فحرمها بعضهم لوجود الاختلاط بين الرجال و النساء ..
كنت أستمع إلى ذلك و أقدر لأصحاب هذا التوجه طرحهم لكلمة حق يرونها في مكان آمن ، و من دون إثارة أو ضجة ، حيث طرحوها بأساليب مختلفة ، و لكنها بكل تأكيد لم تصل لدرجة التهييج الديني أو الاجتماعي أو عقد الاجتماعات أو اللقاءات .


سمع الليبراليون و العلمانيون و أتباعهم ذلك ، فأصابهم نوع من الجنون ، و بدأوا في تهييج أتباعهم من خلال الإعلام ، فوصفوا مخاليفهم بأبشع الأوصاف ، و رموهم بالتطرف والإرهاب ، و قصر النظر ، و سوء المقصد ، بل إن بعضهم استعدى الدولة - ورجالها - عليهم ، ممارسين بذلك كل وسائل القمع الممكنة لديهم ، حتى ظننت أن هذه الجامعة لهم وحدهم .. !!

ذهب ما كانوا ينادون إليه من حرية الرأي أدراج الرياح ، و لم يفرقوا بين كبير وصغير ، و لا بين عالم و متعلم ، و لا بين ذوي الهيئات و بسطاء العامة ، حتى إن أحد أعضاء هيئة كبار العلماء سخروا منهم ، و بدأ أحدهم يعلمه ما هو الاختلاط .؟! و برز يسفه بفعله معنونا معزوفته بـ( ماهكذا ياسعد تورد الإبل ) .. !! بل وصل إلى حد أن لمح إلى أن أعضاء هيئة كبار العلماء يجب أن يصمتوا لأنهم يتقاضون رواتب من الدولة .. !! ( متهما الدولة و العلماء على حد سواء بشراء الذمم ) .. !!

لا ألومهم و قد فتحت لهم أبواب الإعلام واسعة ، و أصبحت حتى النوافذ مشرعة لهم ، فهذه فرصتهم التي كانوا يتحينونها على الإسلاميين ..

ولكن ..

أين نداءاتهم بالحوار ، و بالضرورة إلى الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى ..؟ بل أين مطالباتهم بأهمية المعارضة السلمية .. !!
كان الأسوأ عندي أن يكون تكميم أفواه أصحاب الرأي الآخر بقرارات رسمية .. !! و كأنهم بذلك يستعدون الناس ، و يهمشون آراءهم ، و يفرضون عليهم واقعا جديدا شاؤوا أم أبو ,,!! و لعمري إن هذا لهو التطرف الحقيقي ..


كنت أقف صفا واحدا مع المنادين بحرية الرأي زمن كانت الصولة للإسلاميين ، و لكن تلك الرموز التي تبعنا صراخها على طريق الحرية سقطت في المستنقع نفسه ، فأصبحت الرائدة في تكميم الأفواه و كبت الحريات ..

مالضير حينما يخالفنا أحد ..؟ و مالضير أن نسمع أصواتا مختلفة ..؟ و مالمشكلة حينما نسمع من أقصى اليمين و أقصى اليسار .. ؟ و لماذا نستميت في كتم الأصوات المعارضة بالكلمة ..؟
أسئلة كثيرة و متلاحقة ليست لها أدنى إجابة .. غير ( الأهواء ) ..



كنت أظن أن جامعة الملك عبدالله للعلوم و التقنية منارا للحريات ، فهل ستصبح منارا لكبت الحريات و تكميم الأفواه .. !!
( أستغفر الله من هذا التفكير ) .. !!


يظن البعض أن الحضارة و التقدم لا يأتي بالالتزام بالدين ..
و يظن آخرون أن الدين يحرم كل شيء جديد ..
وظني أن التقدم بلا التزام ديني هو بناء من غير أساس ..



أترككم في رعاية الله ..
و السلام ..

[/align]