رئيسالوزراء التركي رجب طيب أردوجان يؤكد يوما بعد يوم أنه زعيم سياسي من طراز فريد ،فبعد موقفه الشجاع والبطولي المساند لغزة إبان العدوان البربري الإسرائيلي الأخير ،خرج بموقف آخر أكثر جرأة عندما أجبر الغرب وفي عقره داره على الاعتذار عن الإساءةللإسلام .
فخلال قمة حلف الناتو في مدينة "ستراسبورغ" الفرنسية يوم السبت الموافق 4 إبريل، استخدم أردوجان حق الفيتو ضداختيار رئيس الوزراء الدنماركي اندرياس فوغ راسموسين أمينا عاما جديدا للناتو خلفاللدبلوماسي الهولندي ياب ديهوب شيفر الذي سيترك منصبه في نهاية يوليو المقبل .
وعزا هذا الموقف إلى رفض راسموسينالاعتذار عن نشر صور كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيفةدنماركية في عام 2005 والتي أدت إلى احتجاجات واسعة في أنحاء العالمالإسلامي.
وهنا وجد الناتو نفسه في موقفحرج للغاية ، حيث أن فوز راسموسين بالمنصب يحتاج إلى اجماع كافة الدول الأعضاء فيالحلف وعددها 26 دولة ، وتركيا وهى العضو المسلم الوحيد في الحلف استخدمت الفيتو ،فيما أيدت بقية الدول وعلى رأسها واشنطن وباريس ولندن ترشيح راسموسين من بينالمرشحين الآخرين للمنصب وهم وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، ووزيرالخارجية النرويجي يوناس غار سوتير، ووزير الدفاع البريطاني السابق دز بروان، ووزيرالخارجية البلغاري السابق سولمون باسي، ووزير الدفاع الكندي بيترماكي.
ولحل تلك الأزمة ، تدخل عدد منزعماء الناتو لإقناع أردوجان بالتراجع عن الفيتو إلا أنه أكد تمسكه بموقفه ،وخاطبهم قائلا :"من يحميه إذا دخل أفغانستان المسلمة مثلا ، ستكون هناك مشكلة".
وأمام هذا ، لم يجد الرئيس الأمريكي بارك أوباما من خيار سوىعقد صفقة مع أردوجان تتراجع خلالها تركيا عن استخدام الفيتو، مقابل تعهدات من الناتوبالتعامل مع العالم الإسلامي على أساس من الاحترام المتبادل ، بجانب تقديم راسموسين اعتذاراعلنيا للمسلمين عن الرسوم المسيئة خلال الإجتماع الوزارى المشترك الخاص بحوار الحضارات والعلاقةبين الغرب والإسلام الذي يعقد في اسطنبول في الأسبوع الأول من إبريل، هذا بالإضافة إلى أن يكون مساعد الأمين العام للناتو منتركيا وأن يكون مبعوثه إلى أفغانستان شخصية تركية أيضا .
ويكاد يجمع المراقبون أن عقدمثل تلك الصفقة من شأنه أن يزيد من شعبية أردوجان في العالم الإسلامي، كما أنهادليل إضافي على نزاهة مواقف هذا الرجل وعدم مصداقية الأصوات التي شككت في موقفهعندما انسحب من مؤتمر دافوس احتجاجا على عدم إعطائه الفرصة للتعقيب على مزاعمالرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن العدوان الأخير على غزة .
الأصواتالسابقة كانت فسرت موقفه في دافوس بأنه دعائي أكثر منه تعاطفا حقيقيا مع غزة ويأتي فيإطار رغبة تركيا في ممارسة النفوذ في العالم العربي بعد تلكؤ الاتحاد الأوروبي فيقبول عضويتها ، إلا أنه اتضح الآن أن أردوجان يتصرف بناء على احترامهلقيم الإنسانية والعدالة وقبل كل شيء احترامه لديانته المسلمة ، فرغم أن مواقفه من شأنها أن تسبب لهمشكلات داخلية مع خصومه العلمانيين ، بجانب احتمال القضاء كليا على فرصتركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم يقبل التصويت لصالح شخص أساء للإسلام،ولذا استحق لقب "الفارس" بحسب كثيرين.
م ن ق و ل