[align=center]
كتبت مقالة بالأمس تحكي عن مجلس عامر لقيادي من أهل بريدة , وعنيت به أبا أحمد المدير العام السابق لإدارة التربية والتعليم في مِنطقة القصيم , وقلت فيه إن الزوار قد قصرت أقدامهم دونه بعض الشيء عن المجيء إليه بعد تقاعد صاحبه , وأحسب أنني قد قلت ما قلت ظنًّا مني أنني قد رأيت الجبل كلّه , فما رعيت إلا أنني لم أرَ من الجبل إلا رأسه , إذ جانبني الصواب حين قصرت المجلس العامر على منسوبي الإدارة فحسب , ومسست بالحديث مسًّا خفيفًا من يأتي إليه حبًّا فيه .
والحق أنني قد تسرعت في الطرح , وما كدت أفي حق قيادينا مكانته العلية , فكان أن وصلني ما أورده للقراء الأعزاء . . .
بدأ مجلس أبي أحمد منذ عام " 1407 هـ " , إذ عرفه المحبون والمريدون , وراحوا يعنون إليه ليس بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع فحسب , بل كانت أبواب منـزله مفتوحة في غير هذا الوقت بالذات , لاسيما وقت المغرب من كل يوم , وخلت أن حفوله بالأصاحب لم يكن إلا بعد تلك الصلاة , حيث إني ممن راح يختلف إليه كلما حداني الشوق إلى رؤيته , وإلى الشوق إلى أحاديثه القريبة إلي وإلى كل من يفد عليه , فكان أن جئت كمن جاء بالحديث المبتور .
حين ينيف عمر مجلس أبي أحمد على واحد وعشرين عامًا ؛ فإنه معني بالأصاحب بلا ريب , وكم كان يوعز إلى زائريه بأن يكون المجلس لأحاديث الود والسؤال , حيث كان ينبّه غير مرة على أن تكون متعلقات العمل في غير هكذا وقت .
على أن زائريه من منسوبي الإدارة يكادون يعدون على الأصابع حصرًا , فإن زادوا فإن مجيئهم حبًّا وتقديرًا لشخصه , ولدماثة خلقه , ونبل أحاديثه العبقات , وأنّى لهم التزلّف حين كان في سابق علمهم أن المجلس لا يخوض في شئون العمل ؟ !
وأظلم الظلم أن أربط كثرة الزائرين أو قلتهم بشأن تقاعده الذي فاجأنا به , فرحت أقول بعدئذ : لم أرَ من الجبل إلا رأسه .
إن من المعلوم أن أبا أحمد لم يخبُ حبّه لمدينة بريدة في مجال عمله بعد تقاعده , فلا يزال يحث زائريه من المسئولين على أن يقدموا عصارة خلاصة جهودهم , وإنه لحفي بالاستشارة لا يفتر عنها , ويقدّم خبرته لأهل الحل والعقد ليس من أجل مدينة بريدة فحسب , بله لمنطقة القصيم بأسرها .
وإنه وإن رأيت زائريه ليسوا بذي كثرة بعد تقاعده ؛ فإني لست كمن طفق يرنو إلى عمل مسح شامل , فيحصر , ويجمل ويفصّل , وإنما اجتهدت , وأجر المجتهد معلوم حين يصيب وحين يخطئ , فلا يزال المجلس عامرًا حتى اليوم , ولقد جاءت مقالتي الآنفة حين تصادف ألا أرى وقت زيارتي ما حداني إلى ما قلت , وما كنت مصيبًا حين قعّدت شأن الزوار وتعدادهم , وتمييزهم قسرًا .
لقد كان يتناهى إلى سمعي حين أكون حاضرًا جميل توجيهاته , ووضوح غيرته على مدينته ومنطقته قبل تقاعده وبعده , ولكن زلّة القلم لم تفِ الرجل حقه في مقالتي المنصرمة , فكان لزامًا عليَّ أن أعيد ما تناوشته غبش الرؤية , وما كنت لأوجَل أو أن أضرب صفحًا وأطوي كشحًا عن أن آتي على ما سقط فأورده , فلأبي أحمد العتبى حتى يرضا , ولمحبيه كثير التأسف ومثلهم لا يعذلُ . [/align]