ايها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حقيقةُ هذا المقال من أروع ما قرأت في وصف شعور الأبناء الذين وفقوا لبر أمهاتهم ..
اعتقد يقيناُ أن أسعد الناس هم أبرهم لوالديهم .. ولن أطيل عليكم ..
بقلم عبدالرحيم محمد الميرابي
إلى شقيقنا تركي الدخيل
أخي تركي.. السلام عليكم.
أمك هي أمي، وأمي هي أمك.. بالأمس توفيت أمي مزنة (أمك)، وقبل بضع سنين توفيت أمك آمنة (أمي).. لكنني فقط بالأمس فقدتهما معاً، فبت وحيداً أحس بما تحس، وأتألم لألمك، وأتوجع لوجعك.
شقيقي تركي: حينما كنت طفلا كنت أحسب أن الأم لا تموت، لتبقى بجوار صغيرها، لكن ما إن علمت أن الأمهات يمتن حتى خفت على أمي فالتصقت بها وكأن أحداً يريد أن يأخذها مني.. كنت أخرج لألعب بجوار باب البيت ثم فجأة أترك أقراني الصغار وأسرع إلى المنزل أتفقد أمي، فتراني فتتبسم لي وأتبسم لها، ثم أعود لألعب ثانية.. هكذا كنت أتصرف خوفاً عليها من الموت، ثم ما لبثت أن فكرت في حيلة صغيرة، قلت: لو أرادت أمي أن تموت سأطلبها أن تأخذني معها، فالحياة من دون أم هي الموت عينه.. التحقت بالمدرسة فوجدت أنها تحرمني من تفقد أمي فترة طويلة، فعمدت إلى حيلة أخرى، بأن أستغل زمن الفسحة المدرسية في العودة إلى البيت على عجل للاطمئنان عليها مقابل ست ضربات على يدي كلتيهما من عصا المدير أستاذي محمد عمر الأقصم لتأخري.. وما إن غدوت صبياً حتى ازددت حرصا عليها.. فذات ليل استـيقـظت أتفـقـدها فوجدتها مستيقظة تتـفـقـدنا جميعاً، سألتني: ما الذي أيقظك في هذا الوقت؟ قلت: أريد أن أراك، قالت: أنا بخير، قلت: ولكني أريد أن أسألك سؤالا يدور في ذهني مذ كنت طفلا، قالت: سل يا سَمِيّ أبي، قلت: لنؤجله إلى وقت آخر، لأن سؤالي لم يعد يتناسب وسني، فمن غير المنطق أن أسألها: (هل الأم تموت)؟ وأنا أعلم أن الإجابة لن توافق رغبتي..وهكذا سارت بنا الأيام طويلا حتى ظهر الشيب في لحيتي، فتزايدت حاجتي إليها، وكبر تعلقي بها، فكانت كلما رأتني تقول: أهلا بطفلي الصغير.
ذات يوم مرضت واشتد بها، فدنوت منها أقبل جبينها الوضاء، فبكت وبكيت فراودني السؤال، قلت في نفسي: لم أسألها وأنا طفل صغير، فهل أسألها وأنا كهل عجوز، وقد علمت قول الله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت" ومع هذا همست في أذنها متسائلا: هل الأم تموت يا أمي؟ قالت: أسأل الله أن يجعل يومي قبل يومك، قلت: يعني أنت تموتين الآن يا أمي؟! قالت: إن لم يكن الآن فسيكون بعد الآن، فأسأل الله أن تدخلني أنت في قبري.. فأدركت أنه جاء اليوم الذي تفارقني فيه لأحملها أنا إلى القبر وأدخلها فيه رغم حِيَل الطفولة، وهذا ما حدث بعد أن قضيت معها أسعد أيامي.. فليرحم الله أمي وأمك يا تركي، وجميع المسلمين.
لم أقل هذا إلا لأن الله تعالى كان يقص على حبيبه محمد عليه الصلاة والسلام من نبأ الرسل لحكم كثيرة منها مواساته فيما لقي من أمور جسام
المقال منشور هذا اليوم في صحيفة الوطن السعودية
http://www.alwatan.com.sa/news/write...7787&Rname=215