[align=center]عجبت ذات مرة من اختلاف الأديان وكيف كانت سببًا في تنازع الأمم , وعجبت أخرى من حرص القرآن الكريم على ذم الشرك والمشركين , فعلمت أن مبدأ التنازع بين الناس لحدوث التدافع لا بد أن يكون في الأرض ؛ ذلك لأن الله – سبحانه – أحب أن تكون تلك المدافعة من أسباب بقاء الإنسان على الأرض , فهذه يد تبني وتلك تهدم .
إن الإنسان بعقله الضعيف لا يستطيع أن يستشرف الغيبيات ولو ارتقى سلمًا أو حفر نفقًا , وإنما هو عاجز عن ذلك كما تعجز عينه عن تفكيك ألوان الطيف , ومخطئ من راح يُعمل عقله في ذلك العالم المجهول ( الميتافيزيقا ) , إنه كالموظف حين يكد أغلب نهاره ليحصل على رقم مُخجل كراتب له .
إصرار المسلمين على دينهم بجانب تمسك غيرهم على دينهم – كذلك – يبعث على أن الكون لم يعد كما كان أول مرة , وأن وراثة الأرض لم ولن تتحقق في تلك المشاحنات الصاخبة , ولو كنت عاملاً على جمع شتات أولئك المتناحرين لما أبقيت في الأرض دينًا , ولجعلت الناس يؤمنون بما يشاءون من غير تعصب ومن غير حروب .
إن الدين في طياته سكن للإنسان حين يكون شاملاً الناس بوحدانيته بلا تعدد كما حاصل اليوم , فلن يستفيد المسلمون من تمسكهم في دينهم في عمارة الأرض , ولن تستفيد الأديان الأخرى , فلكل دين من تلك الأديان وجهة لأصحابها لا تقف عند اتفاق أو حب تعايش , وإنما تنازع فيما بينهم ما بقي الفرقدان .
لست أدري – حتى اليوم – ما علة بقاء النصرانية واليهودية رغم تحريف شريعة كل منهما ؟ ولست أدري ما حاجة المسلمين في وراثة الأرض حين يكونون بجانب ذينك الدينين , بل يزداد الأمر تفاقمًا حين نُعوِّل على المِمل والنِّحل الأخرى .
هذا الكون يكاد يكون عبثًا بلا طعم ولا نكهة له , فلا يعرف الإنسان لمن الغلبة , وحتى لو أنه عرف الغلبة أنها له ؛ فما حاجته فيها حين تكون القرون الماضيات نهبًا للصراع وخُلوًا من التعايش ؟ ! تحيرني وراثة الأرض حين يريدها الإنسان حصرًا على فئة كما نبأنا القرآن بذلك .
أين الوارثون ؟ وأين الذين سيرثون الفردوس ؟ وما ماهية تلك الوراثة ؟ إننا نسير في كوننا في حلقة مفرغة نجهل طرفيها , فلن تقوم للإسلام قائمة ولا لغيره وهناك أعداء أشاوس يقفون بالمرصاد لغيرهم .[/align]