جبران عَبَد الطبيعة فأنطقها وأبكاها ، صوّرها عريانة وأظهرها ثملة سكرانة ، جسّدها ضاحكة مبتسمة ، ثائرة
ة ، قاسية لا ترحم ،رآها معتكفة تتألم ، ثم ميتة على مرأى الأحياء ، حية تسبح في فضاء الأموات ! حروف هذا الجبران تلامس سويداء قلبي وكلما قرأت له أجدني مغمض العيون ذاهب إلى ما ذهب إليه هو بمشاعره وأحاسيسه ! ولكن في الأخير تأبى نفسي لأني لم أعتد على الاستسلام الكامل ولا الغرور الجامح ! فأكون نصف معارض ،يرى لنفسه نصفاً لا يفهمه جبران ولا الطبيعة التي يحاكيها ويناجيها ..
إن الاعتراف بأن ثمة نصفاً مفقود يعني وضع الاعتبار للمجهول القادم من عمق الظلام ، فإما الاحتراز منه أو الاستعداد لضيافته وتكريمه ، ولكن ثمة أمراً آخر يوجب التأمل في شأن الغايات التي لا سبيل للتقرب منها أو تقريبها ، فالإنسان نصفه جهل مظلم ، لا يمكن تنويره وتعليمة ، لأن جهلة أحياناً يحميه من نفسه ومن غدر ما يجهل ! كالبوم والخفاش اللذان لا يخرجان إلى النهار خوفاً من نور الحياة المؤذي ...