[align=center]استوقفتني عبارة قرأتها حول حرية التعبير نصها: «من أسوأ ما يعانيه الإنسان أن لا يستطيع قول ما يعتقد فيكتفي بقول ما هو ممكن»! بقيت فترة أتأمل العبارة، ثم وجدتني استبدل كلمة (كاتب) بكلمة إنسان. فما أتعس الكاتب حين يجد نفسه لا يستطيع قول ما يعتقد وأن عليه الاكتفاء بقول ما هو ممكن! فكيف يمكن للكاتب أن يتبنى قضايا محددة يؤمن بها ويرجو دعمها ومساندتها وهو مكتوف اليدين ملجم اللسان؟
ويزيد الشعور بالتعاسة حين تتسلل إلى سمع الكاتب تلك الاتهامات التي يقذف بها لائمة إياه على التقصير في أداء واجبه أو مطالبة بالتخلي عن قيم يعتنقها أو أفكار يتبناها. لعلي لا أبالغ إن قلت إن هناك كتاباً ليسوا قليلين يقعون تحت وابل من الاتهامات التي تصفهم بأنهم مقصرون في حق أمتهم أو مجتمعهم وأنهم لا يقومون بواجبهم كما ينبغي، وأنهم لم يعد يعنيهم تحقيق المصالح العامة أو معالجة القضايا الجوهرية التي تقض مضجع عالمهم المنهك بأتعس القضايا وأشقها، وأنهم باتوا لا يفعلون شيئاً سوى تناول ما هو على السطح من شذرات لا تقدم ولا تؤخر ولا تسمن ولا تغني من جوع.
مثل هذه الاتهامات تزيد في تعاسة الكاتب لأنه إما أن يكون مغلوباً على أمره لا قدرة له على التعبير بعد أن ألجم لسانه وكفت يده، وإما أن يكون حقاً تخلى عن الوفاء بواجبه لما رأى ما يهدد سلامته، ففضل الثانية على الأولى ومال إلى التخاذل بدلاً من الصمود للذب عما يعتنق من الحق، وكلا الحالين متى تذكرهما الكاتب شقي بهما.
ومن المتوقع أن الكاتب الذي يعبر باستقلالية وحرية عما يؤمن به من أفكار وما يفرزه ذهنه من الرؤى، هو غالباً لا يسلم من الأذى، فيقع عرضة لردود فعل مضطهدة تتفاوت في حدتها ودرجة أذاها. لكن الفرق بين كاتب وكاتب هو في درجة القدرة على الصمود في وجه الأذى، فالكاتب الحق كما يصفه طه حسين مجاهد، والذي يتصدى للجهاد يجب أن يكون أشجع من أن يرتاع للنقد أو أن يتدنى طموحه إلى مجرد الحصول على الثناء والرضا.
فهل من مجاهد يا معشر الكتاب؟
تحياتي ،،،[/align]