هذه القصة جرت أحداثها في بداية القرن الثالث عشر الهجري . فتاة كان لها ابن عم عاشا معا في بيت واحد منذ عهد الطفولة ،
وعندما كبرا فصار ابن العم فتاً وأصبحت هي فتاة في زهرة شبابها ما كان من أبويهما إلا أن عقدا القران لهما
بعد أن لمسا الرغبة عند كل منهما بالاقتران بصاحبه ، وكان موسم الحج على الأبواب فأجلا الزواج إلى ما بعد الحج ،
وعندما عزم الفتى على الحج ليكون الزواج مقرونا بهذه الشعيرة المباركة .
ذهب الفتى مع ركب الحجاج على أكوار مطاياهم وقدر الله عليه فمات بعد أداء فريضة الحج ...
وعاد الحجاج وعندما اقتربوا من البلد وهم يعرفون مقدار حب خطيبته له ، فلم يريدوا أن يواجهوها بالخبر دفعة واحدة خشية على حياتها أو أن تصاب بأذى ،
ولذلك انقسموا إلى مجموعتين وبين وصول المجموعة الأولى والثانية حوالي ساعة وجعلوا مطيته مع المجموعة الثانية ،
حتى إذا وصلت المجموعة الأولى أخبروها أن خطيبها مع المجموعة الثانية مما قد يخفف وقع الصدمة عليها ،
لكن إحساسها كان أقوى من تصورهم وأدق من حساباتهم ، فعندما قيل لها إن خطيبك مع المجموعة الثانية
وقع الخبرعليها وقعا مؤلما وتوقعت أن به أمرا فلو كان على قيد الحياة لجاء مع المجموعة الأولى وذلك للاشتياق الذي تعرفه فيه ،
وكان عندها نسوة يطحن الحب على الرحى فقالت لإحداهن :دعيني أطحن عنك وجلست على الرحى ورفعت صوتها بهذه الأبيات التي تعبر بها عن مكنون صدرها :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/18.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عسى حرم ربي من الوبل يسقيه=يرفع عنه ما يكرهون العبـادي
حيث إن زمل صويحبي بركن فيه=مرحوم ياللي له هوينا الحـدادي
من أولن ما هو ببالي ولا أطريه=واليوم ما له في ضميري ملادي[/poem]
ثم سقطت على الأرض مغمي عليها فأسرعت النسوة برشها بالماء البارد حتى أفاقت ،
وجلست في مكانها حتى جاءت المجموعة الثانية ورأت مطية خطيبها.
ليس عليها أحد فتحققت من موته فجثت على مركب الرحى مرة ثانية ورفعت صوتها بالأبيات التالية :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/15.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عـلـم لـفـى عـن مـغـزل الـعـيـن شـنـاع=نـقـض عـلـي الـلـي بـقـى مـن جـروحـي
حـلـلـت يـا زيـن الـحـلايــا والأطـبــاع=حـلـن يـخـفـف عـنـك يــا روح روحــي
لـو هـو مـع الـحـيـيـن يـشـرى ويـنـبـاع=لا أسـوق بــه مـالــي وأفــادي بـروحــي
مـار إنـهـم حـطـوه فـي صـحـصـح الـقـاع=وحـطـوا عـلـى قـبـره رســوم تـلـوحــي[/poem]
ثم سقطت على الأرض للمرة الأخيرة وصعدت روحها إلى بارئها مع كلمات آخر بيت فرحمهما الله جميعا وأموات المسلمين