الصافي
11-06-05, 12:30 am
بسم الله الرحمن الرحيم
في ثورة من ثورات النفس المضطربة المتحير ة الناقمة على من يخالفها خرج عمر يوماً متوشحاً سيفه ، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه قد ذكروا له أنهم في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين مابين رجال ونساء ، منهم الصديق ، وعلي ، وحمزة في آخرين آثروا المقام مع رسول الله ، ولم يخرجوا إلى الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبدالله النحام من بني عدي بن كعب ، وكان يخفي إسلامه ، فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ،فأقتله !!
فقال له نعيم : لقد غرتك نفسك يا عمر !! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً ؟! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك ، وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد أسلما .
فرجع عمر عامداً إلى أخته وزوجها ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها صدر سورة ( طه ) يقرئهما إياها ، فلما سمعوا صوت عمر اختفى خباب في البيت ، وأخذت فاطمة الصحيفة ، فوضعتها تحت فخذها ، وكان عمر قد سمع حينما قرب من البيت قراءة خباب عليهما ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً . قال : بلى ـ والله ـ لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد وبرك عليه ، فقامت أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها حتى سال منها الدم ، فلما فعل ذلك قالا له : نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك !!
فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع ، وارعوى ، وأدركته لحظة من لحظات التجلي الإلهي على خلقه فخشع قلبه ، وسكنت جوارحه ، وهدأت نفسه ، وتحولت العرامة والشراسة إلى هدوء وسكينة ، فقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأونها آنفاً ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد فلما قال ذلك قالت له أخته : إنما نخشاك عليها ، قال : لا تخافي ، وحلف لها ليردنها إليها إذا قرأها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه ، فقالت : له : يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة ، وفيها :
بسم الله الرحمن الرحيم (( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى * الرحمن على العرش استوى ))
فلما قرأ صدراً منها حتى بلغ قوله تعالى : (( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ))
فقال : ما ينبغي لمن يقول هذا الكلام أن يعبد معه غيره ، ما أحسن هذا الكلام وأكرمه !!
فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له : يا عمر إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : (( اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب )) فالله الله يا عمر ، فقال له : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه ، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلل الباب ، فرآه متوشحاً السيف ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ، فقال : يارسول الله ، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف ، فقال حمزة بن عبدالمطلب : فأذن له ، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له ، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ائذن له )) فأذن له الرجل ، ونهض له رسول الله حتى لقيه ، فأخذ بمجامع حجزته أو بمجمع ردائه ، ثم جبذه به جبذة ارتعد منها عمر وجلس ، وفي رواية : فما تمالك أن وقع على ركبتيه ، وقال له : (( ما جاء بك يابن الخطاب )) ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة )) فقال عمر : يارسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله أن عمر قد أسلم ، وكبر المسلمون تكبيرة علم منها أهل مكة أن عمر قد أسلم .
ولما أسلم عمر قال : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : (( بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم ، وإن حييتم )) فقلت : ففيم الخفاء يا رسول الله ، علام نخفي ديننا ونحن على الحق ، وهم على الباطل ؟ ! فقال : (( يا عمر إنا قليل ، قد رأيت ما لقينا )) فقال : والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان .
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون في صفين : عمر في أحدهما ، وحمزة في الآخر ، قال حتى دخلنا المسجد الحرام ، فنظرت قريش إلينا ، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (( الفاروق )) لأنه فرق بين الحق والباطل .
في ثورة من ثورات النفس المضطربة المتحير ة الناقمة على من يخالفها خرج عمر يوماً متوشحاً سيفه ، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه قد ذكروا له أنهم في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين مابين رجال ونساء ، منهم الصديق ، وعلي ، وحمزة في آخرين آثروا المقام مع رسول الله ، ولم يخرجوا إلى الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبدالله النحام من بني عدي بن كعب ، وكان يخفي إسلامه ، فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ،فأقتله !!
فقال له نعيم : لقد غرتك نفسك يا عمر !! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً ؟! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك ، وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد أسلما .
فرجع عمر عامداً إلى أخته وزوجها ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها صدر سورة ( طه ) يقرئهما إياها ، فلما سمعوا صوت عمر اختفى خباب في البيت ، وأخذت فاطمة الصحيفة ، فوضعتها تحت فخذها ، وكان عمر قد سمع حينما قرب من البيت قراءة خباب عليهما ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً . قال : بلى ـ والله ـ لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد وبرك عليه ، فقامت أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها حتى سال منها الدم ، فلما فعل ذلك قالا له : نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك !!
فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع ، وارعوى ، وأدركته لحظة من لحظات التجلي الإلهي على خلقه فخشع قلبه ، وسكنت جوارحه ، وهدأت نفسه ، وتحولت العرامة والشراسة إلى هدوء وسكينة ، فقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأونها آنفاً ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد فلما قال ذلك قالت له أخته : إنما نخشاك عليها ، قال : لا تخافي ، وحلف لها ليردنها إليها إذا قرأها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه ، فقالت : له : يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة ، وفيها :
بسم الله الرحمن الرحيم (( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى * الرحمن على العرش استوى ))
فلما قرأ صدراً منها حتى بلغ قوله تعالى : (( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ))
فقال : ما ينبغي لمن يقول هذا الكلام أن يعبد معه غيره ، ما أحسن هذا الكلام وأكرمه !!
فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له : يا عمر إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : (( اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب )) فالله الله يا عمر ، فقال له : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه ، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلل الباب ، فرآه متوشحاً السيف ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ، فقال : يارسول الله ، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف ، فقال حمزة بن عبدالمطلب : فأذن له ، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له ، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ائذن له )) فأذن له الرجل ، ونهض له رسول الله حتى لقيه ، فأخذ بمجامع حجزته أو بمجمع ردائه ، ثم جبذه به جبذة ارتعد منها عمر وجلس ، وفي رواية : فما تمالك أن وقع على ركبتيه ، وقال له : (( ما جاء بك يابن الخطاب )) ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة )) فقال عمر : يارسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله أن عمر قد أسلم ، وكبر المسلمون تكبيرة علم منها أهل مكة أن عمر قد أسلم .
ولما أسلم عمر قال : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : (( بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم ، وإن حييتم )) فقلت : ففيم الخفاء يا رسول الله ، علام نخفي ديننا ونحن على الحق ، وهم على الباطل ؟ ! فقال : (( يا عمر إنا قليل ، قد رأيت ما لقينا )) فقال : والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان .
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون في صفين : عمر في أحدهما ، وحمزة في الآخر ، قال حتى دخلنا المسجد الحرام ، فنظرت قريش إلينا ، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (( الفاروق )) لأنه فرق بين الحق والباطل .