صور رائعة ...!!

[ماجد الأول]

[c]الصورة الشعرية إحدى عناصر الشعر الأساسية، تستخدم عادة لتقريب الموصوف إلى ذهن السامع أو القارئ. لهذا عابوا تصوير المحسوس بالمجرد والقريب بالبعيد؛ لأن في هذا إمعانا في الغموض والإبهام. قال شاعر :

وله غرة كلون وصال ... فوقها طرة كلون صدود

لعمري هذا الشاعر – كما نقول اليوم – أتى ليكحلها فأعماها! هل استوعبت لون الغرة التي تشبه لون الوصال؟ أو تلك الطرة بلونها المشابه للصدود!

ابن رشيق لا يرى ثمة غرابة في مثل التشبيه الوارد في البيت أعلاه. يقول: " [لايلام الشاعر] إذا كان قصده أن يشبه ما يقوم في النفس دليله بأكثر مما هو عليه في الحقيقة، كأنه أراد المبالغة" ويقول: جاء مثل هذا في القرآن في قوله تعالى : (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) (الصافات:65) فقال قوم: إن شجرة الزقوم لها صورة قبيحة يقال لها رؤوس الشياطين. فقد شبه الشجرة بما لا يُشك أنه منكر وقبيح لما للجن من صورة بشعة في نفوس البشر.

لكن يبقى تصوير المجرد بالمحسوس والغائب بالحاضر والبعيد بالقريب أطرب موقعا في النفس – في نظري على الأقل - .

دعونا نبحر مع بعض الصور الشعرية التي قد تتزاحم في البيت الواحد لتصل إلى خمس صور!

يقول أبو نواس وقد رآها في مأتم مجهشة ودموعها تتساقط تسكابا:

يا قمرا أبصرت في مأتم .. يندب شجوا بين أتراب
يبكي فيذري الدرّ من نرجس .. ويلطم الورد بعناب

يعلق ابن رشيق على البيتين بقوله: هذا أشعر الجن والإنس – يعني أبا نواس –

وشبيه ببيتي أبي نواس قول المتنبي في بيت جمع أربع صور :

ترنو إليّ بعين الظبي مجهشة .. وتمسح الطل فوق الورد بالعنمِ

فالعين كعين الظبي، والدمع طل، والخد ورد، وأطراف الأصابع كالعنم؛ وهو شجر لين الأفنان.

ابن المعتز يصور حمارا وهو يشرب الماء تصويرا عجيبا يقول:

وأقبل نحو الماء يستلّ صفوه ... كما أغمدت أيدي الصياقل مُنصلا

يشبه الماء وهو يدخل في جوف الحمار بالسيف وهو يُدخل في غمده ... هل تخيلتم ؟!

أبو الطيب المتنبي أتى بتشبيه أربعة بأربعة دون أداة، يقول:

بدت قمرا، ومالت خوط بان .. وفاحت عنبرا، ورنت غزالا

وكان امرؤ القيس سابقه في مثل هذا، يقول:

له أيطلا ظبي، وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان، وتقريب تتفلِ

احتشدت خمس صور شعرية في بيت واحد في قول الوأواء الدمشقي – وينسب ليزيد بن معاوية - :

وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضت على العناب بالبرد

فالدمع لؤلؤ، والعين نرجس، والخد ورد، وأطراف الأصابع عناب، والأسنان كالبرد ..!

_________________

هل تضيفون بعضا من الصور الشعرية مما حفظتم أو قرأتم ؟



مع التحية
ماجد[/c]


______________________

الاستشهادات من: العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني.

[عصي الدمع]

لك الشكر كله وأعظمه يا أستاذي ماجد الأول .

والله إني أستحي أن أرد على موضوعك هذا فأنا لست بأهل لأن أرد على أستاذي .

ولكن كل الصور التي ذكرتها لا تكون بمقام صورتك أنت .


عصي الدمع

[أبو غادة]

الأخ العزيز / ماجد الأول حفظه مولاه
السلام عليكم أما بعد :
فشكراً لك على هذه الاختيارات ، لكن هناك مسألة ربما تكون فيها مجازفاً أو متسرعاً وهي أن تشبيه القريب بالبعيد له دلالة قوية ، وله أثر في نفس المتلقي ربما فاق غيره ، وهو مذهب معروف عند العرب قديماً وقد استشهدت أنت بقوله تعالى : " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وهو داخل في مثل هذا ، ومنه قول امرئ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوالِ ؟
فهل رؤوس الشياطين ، وأنياب الأغوال قريبة مشاهدة ؟ كلا ، ولكن المقصود تأكيد التخويف والتشنيع ، وهذا أبلغ .
وهذا الأمر هو الذي دفع أبا عبيدة إلى تأليف كتابه ( مجاز القرآن ) بعد أن سأله سائل مستغرب هذا الأمر في القرآن في مجلس أحد الخلفاء ، فرد عليه أبو عبيدة واستشهد ببيت امرئ القيس .. ثم عزم على تأليف كتابه ..

[ماجد الأول]

السلام عليكم

العزيز عصي الدمع .. يابن الأجاويد شكرا على لطفك، لكني أقل مما ذكرت بكثير. ولا تستح من الرد بل رد وخالف وناقش فهذا أحب إليّ وأنت أهل لذلك.

-----

العزيز أبو غادة، مرحبا بك أولا (وين الغيبات عسى ماشر؟ )

لا أظن أني مجازف كثيرا فيما ذكرت حول أن تشبيه الشيء بالقريب المحسوس أطرب في النفس من تشبيهه بالغائب المجرد.

التصوير بالغائب المجرد لا شك أنه صورة مؤثرة، وابن رشيق يرى ذلك ويرى أنه أجدى لمن أراد المبالغة.

لكنه صورة نفسية متخيلة عادة ما تثير "الشعور بالخوف" لدى السامع. وهذا مُلاحظ في المثالين اللذين بين أيدينا. وإن لم تُثر شعورا ما فإن الصورة تبقى غامضة.

قديما كان آباؤنا يخوفوننا (بحمار القايلة ) و (المقرصة الحامية) لإخافتنا فقط دون أن ندرك صورة معلومة لهما، بل كل واحد يتخيل صورة معينة. وهذا ما يحدث معنا حين نقرأ: رؤوس الشياطين وأنياب الأغوال.

إذن التصوير بالمجرد والغائب والبعيد ليس له وقع محبب في النفس - كما أرى - .وهو في الأعم الغالب يكتفي بزرع الشعور بالخوف والرهبة لدى المتلقي، وإن لم يفعل فإنه يترك المتلقى في حيرة كما في أول بيت شعري في الموضوع، إذ قد تكون الصورة واضحة لدى الشاعر لكنها غامضة لدى المتلقي:

.وله غرة كلون وصال ... فوقها طرة كلون صدود


أشكرك أخي العزيز.


مع التحية

[معاهدات]

الجميل ماجد الأول
أنت أول في كل شيء في تميز ما تكتب وعمقه
وأنت أول في حسن العبارات وجودتها
نرى أن القمه لك وحدك !!