[align=center]يحكى في قديم الزمان ... أن الفضائل و الرذائل كانتا تطوفان العالم معا ً ... و كانتا تشعران بملل قاتل جدا .. و ذات يوم و كحل لمشكلة الملل المستعصية اقترح ( الابداع ) لعبة ظريفة و أسماها " الاستغماية " .. طرح الفكرة أمام الرذائل و الفضائل فأُعجب الجميع بالفكرة و وافقوا عليها .... و فجأة صرخ من بينهم ( الجنون ) و أخذ يقول : أنا من سيبدأ .. أنا من سيبدأ بالعد ... أرجوكم اسمحوا لي بذلك .. أنا من سيغمض عينيه و يبدأ العد و أنتم عليكم بمباشرة الاختفاء .. ثم اتكأ بمرفقه على شجرة جميلة و بدأ العد : واااااحد .... اثنااااان ... ثلااااااثة ....
تفرق الجميع بسرعة و أخذ يبحث كل واحد عن مكان جيد له ليختفي فيه ..
وجدت ( الرقة ) مكانا لنفسها فوق القمر الذي سعد بحضورها .. و أخفت ( الخيانة ) نفسها في كومة قمامة .. و دلف ( الولع ) بين الغيوم .. و استقر ( الشوق ) في باطن الأرض .. ( الكذب ) بصوت عاااال : سأخفي نفسي تحت الحجارة ... ثم توجه لقعر البحيرة و اختبأ هناك !!! ..
طار ( الصدق ) نحو الشمس و اختفى بداخلها ... لم يجد ( الخداع ) بدا من البحث عن مكان له و بدون تفكير قفز نحو مستنقع نتن تطفو عليه القذارات و سقط فيه ...
همست ( البراءة ) و هي تغطس في خجل شديد : اووه .. أين أذهب ؟ .. آآآه من يرشدني ؟ .. أييين ؟ أيييين ؟ ...... فسمعها أحد الأطفال فصاح و هو يشير بأصبعه الصغيرة إلى وجهه : هنا .. هنا .. هنا .. ابتسمت ( البراءة ) بعذوبة و قفزت الى صفحة الطفل ..
قالت ( القسوة ) لبعض الصخور الكبيرة بخشونة : أتسمحين لي ؟ قالت الصخور : أهلا , هلمّ بك إلى عمقي ..
فتح ( الحنان ) عينيه بنتهى الرقة و أخذ يجول بنظراته ساهما شاردا .. فهمست إحدى الزهور القريبة : تعال هنا و استقر بين براعمي .. رحب ( الحنان ) بالفكرة و غاص بين الزهور ..
و استمر الجنون : تسعة و سبعوووون .... ثمانووون ... واحد و ثمانووون .. خلال كل تلك المدة الطويلة كانت الفضائل و الرذائل منشغلة بالاختباء ما عدا (الحب ) !!
كعادته لم يكن صاحب القرار و بالتالي لم يستطع أن يقرر أين يختفي !! و بالطبع فهذا غير مفاجئ فكلنا نعلم كم هو صعب اخفاء الحب ..
أخذ ( الحب ) المسكين يتخبط يمنة و يسرة .. يركض للأمام ثم يعود للخلف .. يتلفت هنا و هناك عله يجد من يساعده و علامات الخجل بادية عليه ... وجد قناعا ً ألقاه أحدهم على الأرض فالتقطه و حاول وضعه على وجهه ليخفي تعابيره و ملامحه .. و لكن القناع خنقه و أطبق عليه النفس و منعه من الاستمتاع باستنشاق الهواء العليل .. و بعصبية شديدة قذف ( الحب ) القناع على الأرض و هو بغاية الاستياء .. كان بمنتهى الحيرة .. لم يكن يعرف كيف يتصرف .. كم هو مسكين هذا ( الحب ) ..
و فجأة أتم ّ الجميع عملية الاختفاء و لم يبق َ في المكان أي فضيلة أو رذيلة ..
تابع الجنون عدّه : خمسة و تسعووون ... سبعة و تسعووون ... و عندما وصل الجنون في تعداده إلى مائة .. شهق ( الحب ) برقة و قفز وسط أجمة من الورود و اختفى بداخلها ..
فتح الجنون عينيه بمتعة و وحشية و بدأ البحث صائحا ً : أنا آت إليكم ... أنا آت إليكم ...
الظريف بالموضوع أن (الكسل) كان أول من انكشف أمره فهو كعادته لم يبذل أي جهد في اخفاء نفسه .. ثم ظهرت ( الرقة ) المختفية في القمر .. و بعدها خرج ( الكذب ) من البحيرة مقطووووع النفس .. سبحان الله الكذب حبله قصير دائما ً .. و أشار الجنون إلى ( الشوق ) أن يعود لباطن الأرض .. صاحت ( القسوة ) بقوة و هي ترفع يديها لأعلى بشموخ مصطنع : أنا هنا و قد خرجت قبل أن تقبض علي حتى لا أتعبك في البحث عني .. و كهذا هي القسوة دائما تتظاهر بالمثالية لتخفي جلافتها و صلابتها القاسية ..
قال ( الخداع ) : لقد تعبت .. سأخرج من لعبتكم فهي مملة .. سأبحث عن لعبة أكثر إثارة في مكان آخر !! و مضى ...
قال ( الصدق ) بانزعاج : سيهرب الوقت مني بدون فائدة علي أن أعود للأرض لأكمل أعمالي المهمة ... و هو يسير قابل في طريقه ( الحنان ) و ( البراءة ) فعرض عليهما فكرة أن يذهبا معه فوافقا بكل سعادة .. أمسك ( الحنان ) يمين الصدق بقوة .. و تسللت أصابع ( البراءة ) بكل خفة بين شمال الصدق بمحبة ..
وجدهم الجنون جميعا واحدا تلو الآخر ما عدا ( الحب ) .. وكاد يُصاب بالاحباط و اليأس في بحثه عن الحب .. إلى أن اقترب منه ( الحسد ) و همس في أذنه بوحشية و بكلمات قليلة موزونة : ( الحب ) مختف ٍ في شجيرة الحب ..
التقط الجنون شوكة خشبية أشبه بالرمح الحاد و بدأ في طعن شجيرة الورد بشكل طائش في كل الأماكن و هو يضحك باستمتاع شديد و لم يتوقف إلا عندما سمع بكاء يمزق نياط القلوب .. ظهر الحب و هو يحجب عينيه بيديه و الدم الأحمر القاني يقطر من بين أصابعه بمنظر ٍ يقشعر الأبدان ..
صاح الجنون بندم هائل : يا الهي ماذا فعلت ؟ أنا آسف بصدق .. ماذا أفعل كي أصلح غلطتي بعد أن أفقدتك البصر ؟!!
همس الحب بألم : لن تستطيع إعادة النظر لي بعد اليوم ..
لكن لا زال هناك ما يمكنك أن تفعله من أجلي .. ما رأيك أن تكون دليلي ؟
و هذا ما حصل من يومها !!
يمضي الحب أعمى يقوده الجنون !!!!
" مقتبسة "[/align]