السلام عليكم ,,
موضوع وجدته أثناء تصفحي للنت .. ولأنه يتكلم عن بريدة وبعض أريافها ويتمحور حول أحد أبنائها .. أحببت نقله ..
مع دعائي بأن يشفي الله الأستاذ أبراهيم الحوشان ويعيده الى ذويه بصحة وعافية ..
****
عندما استعاد وعيه وبدأ يسترد صحته والتقى بياض عيني ببياض عينيه مسح دمعه وانهمر سيلاً من الذكريات.
لم يخطر في بالي أن أسمع صوته لأنه أكثر من عام كامل مسجى في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض ورحلة طويلة بين الغيبوبة والوعي المتقطع لكنها إرادة الله العلي القدير وكرمه ورحمته الواسعة التي أعادت إلينا زميلنا وصديقنا وأخانا الحميم المخرج إبراهيم الحوشان بعد أن تعرض في مثل هذه الأيام من العام الماضي إلى حادث مروري أليم دخل بعده في غيبوبة طالت أيامها ولياليها على أهله وأبنائه وأشقائه وعشيرته الأقربين وأعاده الله إليهم بعد عام من رحلة العذاب والموت..
عندما التقى سواد أعيننا وشاهد بياض عيني ولمست أطراف يده تفجر في ذاكرة أبكتنا طويلاً أنا وزميلي الكاتب عبدالله الكعيد. عندما نطق إبراهيم الحوشان باسم طفولتي وباسم حينا الشعبي القديم أزقة وأسواق البطحاء ،الشوارع الضيقة المساجد الملاصقة لمنازلنا شوارعنا المتعرجة ومفارق الشوارع المتعاشقة دكان (صالح ناشر) الوافد اليمني الذي يشكل قلب ذلك الحي الشعبي الغارق بأهله وناسه بتلك العاطفة المتداولة بين الناس قال:
يا أيها المصفر والمزرق برائحة أهلي وحينا المنسي أنا إبراهيم الحوشان هل نسيتني هل نسيت عندما كنت طفلاً تسابق الآخرين ركضاً وكنت متحفزاً ممتلئاً بشقاوة الطفولة وتتقدم الصف قليلاً لتعلن عن نفسك ممسكاً باللاءات كما أنت الآن.. أنا إبراهيم الحوشان هل نسيني الأصدقاء والآخرون.
الذي عمق فرحي أنه عندما استعاد كامل ذكراته اختار منها الطفولة وحبه الأول مسقط رأسه فبدأ كفراشة تحلق في ربيع الحياة .تذكر ضوء عينيه عندما ولد وتنفس عبق الأرض وأنفاسها تذكر بريدة وبدأ يذكرني بالخبوب بتلك القرى المندسة في رمال نفود الغميس ونفود وهطان كيف أن بريدة كانت مخضرة والأزاهير تجمّل أطرافها الشرقية ،بدأ يعيد لي ذاكرة نسيت تفاصيلها خب الصباخ والوجيعان ورواق مسقط رأس إبراهيم الحوشان فقال:وخب روضان فقلت له :هذا خب د. محمد الربدي وقال :خب البريدي ،فقلت هذا خب الكاتب تركي الحمد.. وقال خب الحلوة .فقلت له :هذا خب الكاتب عبدالله القصيمي، وقال خب المريديسية وضحكنا جميعاً لأنه لامس هوى في داخلي. وقال :وخب الصباخ فقلت هذا خب المهندس أحمد السلطان. وقال خب القصيعة فقلت هذا خب التويجري واستمر نزيف الخبوب: البصر وحويلان وخب الغماس وانعطفنا على خب الصماعين والحنايا وخب القبر والقاع البارد. كان إبراهيم الحوشان ينزف ذاكرة حمدت الله عليها كثيراً وطويلاً، تفاصيل حياته عادت إليه بعد سنة كاملة من رحلة العذاب والموت وأهله بين الرجاء واليأس والدعاء له بالعطف والرحمة.
عندما استعاد الحوشان ذاكرته تنفس بريدة في نفس عميق وعادت إليه رائحة نخيل بريدة بتمورها البرحي والسكري والمكتومي ونبتة علي التي أنبتت في داخله شلال حب متدفق للحياة وللآخرين ممن نسوه من أصدقاء الطفولة وزملاء العمل استعاد رمال نفود الشماسية والربيعية وصعافيق واليتيمة وامتدادات الأرض المخضبة بملح السبخات في الباطن والبطين وخشم علي الصامد.
كانت لحظة عاصفة وأنت تشهد عودة الروح والذاكرة بأمر الله إلى من تحب في حين كان بعد الحادث الذي أصاب الجمجمة والظهر والصدر قد استخلفت الله عليه وودعته الوداع الأخير. وتجده في سره وعلنه يذكر الله ويسبح ويحمده كثيراً تراه يمطرك بالذاكرة البعيدة ويحكي لك عن حبه لخبوبه ومدينته الأم بريدة وهو يتحدث بعاطفة راعفة وسيل من التداعيات التي تمرّ أمامك بحب وطواعية. نهر متدفق من الذكريات التي جمعت البطحاء ومسجد البرادي في شارع ثليم مروراً بحي الغرابي وشارع الريل بالرياض وانتهاءً باستعداده العام الماضي وقبل وقوع الحادث بأيام استعداده للمشاركة في المهرجان السياحي بمدينة بريدة لصيف 1424هـ. كانت ساعة اعتبرها إحدى ساعات العصف الذهني جعلتني مع الزميل عبدالله الكعيد نبكي بكاء مرّاً ونحمد الله على نعمته ورحمته، وقال عبدالله الكعيد إذا كنت تملكتك سحب من العاطفة والحنين لإبراهيم الحوشان فأنا غمرتني أمطار عندما استعاد شريط ذكرياتي معه واستعاد طفولة أبنائي قبل ربع قرن عندما كان يشركهم في برامج الأطفال التي يعدها..
حمداً لله على سلامته والدعاء بالشفاء العاجل وجعلها تكفيراً لذنوبه وأن يرحمه الله بالدنيا والآخرة، ويعجل في شفائه ويعيده إلى أهله وذويه وأطفاله لينعم بحبهم وحب الآخرين آمين.
صحيفة الرياض ــ د.عبدالعزيز جارالله الجارالله
السبت 2004/05/22 م
هنـــــــــــــــــــــــــا
وللجميع تحياتي ...
العرض العادي
