العودة   منتدى بريدة > منتدى المجلس العام > المجــلس

الملاحظات

المجــلس النقاش العام والقضايا الإجتماعية

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 23-10-01, 12:44 am   رقم المشاركة : 1
ابو عبدالله
مراقب سابق
 
الصورة الرمزية ابو عبدالله





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : ابو عبدالله غير متواجد حالياً
يأتي من مدينة السحرة .. قصة جميلة للكاتب الأماراتي إبراهيم مبارك


أشار بيده مؤكدا أن هذا هو بداية الزقاق المؤدي إلى المطحنة ومن ثم إلى الغرفة التي يقيم بها، ثم أردف يشرح مسالك الطريق- بعد عدة خطوات ينحني الزقاق جهة اليمين ثم يمتد نحو الشرق بمسافة قصيرة، حيث تبرز عند الانحناء الثاني حفرة كبيرة تتجمع فيها مياه المجاري الخارجة من البيوت العتيقة بصفة مستمرة، ويربض على حافتها كلب أجرب لا يترك مكانه أبداً، ملوث بالطين والحشرات.. لا يعترض المارة إلا أن عينيه الحمراوين تظلان تلاحقان الخطوات حتى تختفي في الأزقة المتفرقة.

بعد ذلك يأتي مقهى صغير رواده من الغرباء تنبعث منه رائحة الأكل التي تزكم الأنوف حتى أنك تحس بألم في المعدة، وتصاب بحيرة، وكيف يستطيع هؤلاء البشر تناول هذه الأغذية الغريبة. بجوار هذا المقهى مطحنة بهارات، حيث لا تكاد تمر من أمامها حتى تأخذك موجة من العطاس والسعال المتلاحق. لذلك تشاهد المارة يسرعون الخطى ويذوبون في الطرقات الصغيرة. والكثير منهم يتجنب المرور من ذلك الزقاق، حتى أن المكان يكاد أن يكون مقفراً إلا من عدد قليل جداً، أو من الذين يقصدون المطحنة لشراء البهارات أو طحنها.

الغرفة التي يقطنها، تقع قبالة المطحنة تماماً، وعندما تجلس في المقهى تستطيع أن تشاهد الشباك الأوحد بوضوح.

لولا أوراق الجرائد التي تلف الزجاج لأمكنك مشاهدة السرير الحديدي الصدئ والصورة الكبيرة الملصقة على الجدار، وهي لسفينة شراعية تصارع الأمواج.

قال لهم:

- لا يأتي إلى الغرفة إلا في المساء وفي بعض الأحيان لا يخرج منها مطلقاً، يتردد عليه بعض الرجال في أوقات مختلفة ويقيم البعض معه بصورة مستمرة لبضعة أيام، وفي أحيان كثيرة يهجر الغرفة لمدد مختلفة قد تطول أو تقصر.

أما الغرفة فإنها مليئة بالكتب وبعض الأجهزة المختلفة، راديو، مسجل، آلة كاتبة، أشرطة، منافض سجائر وجرائد، مجلات. وعلى جدار الغرفة ألصق بعض الصور لمدن ونساء، في الغرفة المجاورة تماماً تقطن امرأة عجوز يبادلها احتراماً كبيراً وتحبه كابنها.

في زياراتي أحصيت كل شيء كان يزعجني عنفوانه وإصراره على أن يقطع الطرق الطويلة وتلك المسافات على قدميه، لذلك وجدت أن طريقه صعب وقررت أن أبتعد عن هذا المجنون.

يبدو كجريد نخلة طويلة امتد طولاً حتى كاد أن ينحني. ذو عينين حادتين كعيني صقر ودائما يدعي أنه يرى أشياء لا يراها العامة من الناس، حتى يأخذك الذهول عندما يسرد ما يراه وتصاب بالحيرة والخبل، إنه مجنون.. مجنون.

يحرق النار بالنار، فالسجائر لا تفارق فمه، يشعل واحدة بأخرى، حتى أنه عندما قال له أحدهم:

-لماذا تحرق صدرك بهذه الطريقة؟

ضحك كثيراً، ثم أجاب:

- النار تحرق شيئاً أكثر أهمية من هذا الصدر المعلول، ليت هذه العيون التي تحتل الجماجم ترى، وهذه الآذان تسمع، وهذه الرؤوس الكبيرة تتفكر!!

أيها المتبولون على ذواتكم ستظلون ثيران ساقيه تدور دائماً في الفراغ، هذا الخواء الذي يلفكم سيقذف بكم إلى (مراغة) الطين التي ستحتويكم كحشرات ميتة.

قال:

- مجنون.. مجنون كل الذين معه مجانين!

ذلك المساء قرعت العجوز الباب، وقالت تحدثه:

- يا بني العزيز، يا نجماً ساطعاً في السماء تتلبد فيها غيوم الشتاء، لم أنم ليلة أمس، انتابني خوف شديد وفزعت، كنت أسمع أنينك وهمهمات صوتك المتحشرج، بالله قل ماذا يؤلمك؟

- لا شيء، فقط كان حلماً مزعجاً، رأيتهم يدخلون كالقدر لم يمهلوني حتى أتحرك من مكاني أو أنطق بكلمة.. أدخلوا رأسي في كيس أسود وأوثقوا يدي خلف ظهري، وألقوا بي للأرض، خلت أنني ضب أمسك به بدوي، زحفت إلا أنني لامست جداراً، بعدها سمعت أصوات تحطيم حاجياتي وتمزيق أوراقي.. حملوني إلى سيارة انطلقت بي مسافة طويلة، كانت تجتاز بعض الشوارع إذ أنني لم أسمع بعد ذلك أصوات السيارات، ثم حملوني إلى شيء أدركت بعد سماع أصوات الأجنحة الضاربة للهواء أنها حوامة، سيارة أخرى، سارت بي في طرق غير ممهدة مسافة طويلة ومتعرجة، وبعد أن توقفت سمعت أصوات أقدام قوية فوق أرض صلبة وأصوات أبواب حديدية تفتح وتقفل.

نزعوا القناع عن وجهي، إلا أنني لم أر شيئاً، كان الظلام يلف الغرفة، وأحسست بأكف قوية تهوي على وجهي، وسياط تجلد ظهري دون أن أرى من أي جهة تأتي، وأصوات كلاب تعوي انتابني رعب شديد، وكان لحمي يكاد أن يسقط كنشارة خشب تمر عليه آلة. سمعت صوتاً يقول:

- الوكر.. الوكر ولم أفهم شيء!!

أولئك حملوني إلى غرفة مطلية جدرانها بالقار وتعثرت بإبريق ماء، عندها نهضت من النوم فزعاً.

- قالت العجوز بعفوية:

لقد حضروا يوماً عندما أرخى الليل ستارة، ونامت المدينة وبانت النجوم كحبات لؤلؤ تطرز السماء الداكنة السواد، وعزفت صراصير الليل سيمفونية مزعجة، ودبت الحشرات، وتعالت الأنفاس والشخير.

كان وحيدي نائماً، دثرته فأسلمت عيني للنعاس، بعد فترة سمعت أصوات نعيق غربان متتالية وأصواتا غريبة وضربات قوية فوق سقف المنزل وحركة مريبة تأتي من كل الجهات، انتابني رعب شديد فأسرعت إليه ولم أجده صرخت كالمجنونة.

يا أهل المدينة ارفعوا خناجركم.. ارفعوا خناجركم في وجه السحرة واغرسوها في صدورهم وفي الرمال، حتى يسقطوا كالجراد.

رفعت سكيناً كبيرة وغرستها في الرمل.

لقد حملوه وغابوا في الليل، وحتى الساعة لم يعدّ

يشبهك تماماً، جميل، ذكي، قوي.

لقد ذهبوا به إلى هناك، ومدت يداً مرتعشة.

-هناك خلف الجبال مدينة السحرة!

فتشت عنه في كل مكان، في المدن والموانئ البعيدة.

في مدينة تحتضنها النخيل والجبال، شاهدت ثوراً كدّه الدوران، خلف ساقية، وكادت عظامه أن تخرج من جلده.

همس فلاح طيب:

-كان رجلاً شجاعاً وكريماً وقوياً. بعد أن سلبه السحرة عقله، تركوه للساقية.

وفي مدينة أخرى تحيط بها الرمال، شاهدت حماراً يساق حاملاً قرب الماء والحشرات تأكل جسده وهو ينكب على وجهه.

قال صياد عجوز:

-كان رجلاً عالماً وخرج من مدينتهم حماراً.

عاد صديقه بعد غياب أعوام مجنوناً، سمعته يقول:

- تعالي.. تعالي يا حبيبة عمري.. سأنتظر العمر كله يا فراشة النار. أيتها الروح السابحة في الدماء أعطيتك عمري لتخرجي من الغيب، سأنفخ في الصور ليأتوا أفواجاً، أنا الذي يحمل هذه المزامير العظيمة، سأحتفل بك على أنغام موسيقى جماعية، ندور في حلبة الحياة، ونكسر الأطواق.

شاهد فراشة وجرى خلفها كالأطفال!

لقد كان عظيماً.

خرّت دمعة من عينها فاحتضنته.







التوقيع


موضوع مغلق
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 12:16 am.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة