طفلة من العراق ....

[ابو هيثم]

( دوما للمشاهد خلفيات ومظاهر قد تكون هذه تعكس تلك ... او تكون المظاهر مخالفة تماما لما هي عليه المشاهد مهما حاول صانع المشهد من ترويج الدعاية له او تاكيد ارتباطه بخلفية وهمية .... )


كان يوم الاثنين يوما عاديا لسعاد ... فهي كأي طفلة في الثامنة من عمرها تتأثر كثيرا بما يتأثر به الكبار ... ولكنها سرعان ما تتجاهله لأنها لا تعلم السبب من هذا التاثر او ما يجر ورائه من نتائج ....

كانت سعاد جالسة بين اخويها محمد وخليل ... على الأريكة المتواضعة التي تتناسب مع الحال العام للمنزل الصغير .... تجلس مقابلة ذلك التلفاز الذي يكاد يفقد الوانه لما عاشه من فترات زمنية وما نقله من مر وحلو الاخبار ... وها هو اليوم يذيع انذار الرئيس الامريكي بوش ... بامهال النظام العراقي مدة تتراوح ما بين 24 الى 48 ساعة ... والا فهي الحرب ....

كانت سعاد سعيدة وهي تسمع هذا الخبر .. لا تعلم لماذا هي سعيدة ولكنها سعيدة وهي ترى ابتسامة ابيها العريضة و وجهه المتهلل لسماع هذا الخبر .. كانت سعيدة وهي تسمع اخيها يحمد الله لانه عجل تفريج هذا الظلم الذي يعيشونه في ظل الحكم المستبد ... كانت سعيدة وهي تسمع كلمات اخيها محمد المتحمس الذي كان في الثانية والعشرين من عمره ..
- (( اخيرا .. اخيرا .. سنتخلص من هذا الحصار ومن صدام .. الحمد لله ..))

قاطعه خليل الذي يصغره بثلاث سنين ... قائلا ..
- ( وهل تصدق هذا الاعلام الخداع وهل انت متصور ان امريكا ستهيء لنا حالا افضل من حال صدام ... اني ارى ان صدام ارحم لي من ان اعيش تحت حكم كافر نصراني .. ) ..

فارتفع حاجبي محمد ولسان حاله يقول وهل انت راض عن هذه الحياة .. واستدرك بلسان فمه وقال :
-( يا خليل انا افهم انك تتكلم من منطلق ديني ولكن نحن امام امر واقع لا يمكن ان تحكم فيه نصوص دينية على اطلاقها يلزمنا تخصيص .... وعليك ان تعلم ان ما يحدث لنا الان قد حدث لكل دولة عربية ... فكل ما سيحدث هو افناء نظام معاد لامريكا واستحداث نظام اخر عميل لامريكا .. هذا سياسيا .. اما بالنسبة لنا نحن كشعب فسيكون حالنا ارقى وافضل مما كنا عليه خلال هذه العشرين سنة الدموية المليئة بالحروب والحصار اذ ان امريكا ستستخدمنا كوسيلة للمباهاة بنا امام الدول الاخرى ولانتقاد انظمتهم عن طريق انشاء نظام ديمقراطي يكون كما لو انها تريد القول هكذا الحكومات والا فلا ... واولا واخيرا تؤمن نفسها من ناحية البترول .... )

كان هذا النقاش الحامي يدور في بيت سعاد وهي جالسة بين اخويها .... الذين يمثلان حال العرب والمسلمين عامة ما بين متاثر بالاعلام والافكار المستحدثة العقلانية المخالفة اما صراحة او مغلفة بزخرف القول المبطنة بالمناقضة الصريحة للاسلام ... وبين متمسك باصول الدين وضوابطه التي اقامها علماء زمان لاصلاح زمانهم دون الاعتماد على هذا الاصول لاستخدامها لما يصلح هذا الزمان .. وعلى هذه الرحاة دار الكلام في العالم الاسلامي كما دار في بيت سعاد ....

كان الاب موافقا لافكار محمد ... معللا هذه الموافقة – كعادة الاباء- بخبرته العريضة في الحياة وكيف ان العراق كان بحال افضل قبل قدوم النظام العراقي ...وامام هذه المساندة القوية ... التي تمثل مساندة الحكومات العربية للافكار العلمانية العقلانية.. وقف خليل محركا يديه محاولا ايضاح الفكرة .... فقال ..
- (( انتم لا تعلمون معنى ان تكون الدولة ديمقراطية .. هذا معناه ان الشعب هو من سيحكم .. وهذا يعني ان كل الشعب على مختلف اعتقاده سيحكم ويصوت .. وبما ان هذا الشعب عبارة عن شرائح متعادية عقديا وفكريا ومذهبيا .. فهؤلاء الشيعة المدعومين من ايران .. وهؤلاء الاكراد الباحثين عن الدولة .. ونحن السنة .. نحن فقط من سيغرق في بحر الديمقراطية في حين ان جميع الطوائف ستتشمس على شاطيء هذا البحر ... )) ...

وطبعا لان الكلام اخذ ينحى منحى ديني .. ولهذا المنحى دائما رد فعل طبيعي بين افراد المسلمين وهذا الرد هو الاستهزاء والاستحقار .. الذي تمثل برد الاب ..
- (( ومن تظن نفسك ايها الخبير .. وان تحلل وتصور كانك اكبر منا سنا ... ))

وبهذا الرد الذي اضفى الى الحوار طابع الحدة ... وبدى الجو لا يروق لسعاد .. فانسلت من بينهم خارجة من الغرفة ومن البيت ذاهبة الى بيت جارتهم لتلعب مع فاطمة ..


يتبع ،،،