السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي عجيب :
بداية :
ما دمت ترى أن تغطية وجه المرأة واجب عند الفتنة , فهذا خير اتفقنا عليه , و عليه فالفتنة اليوم أعظم ما كانت فتنة في تاريخ أمة محمد صلى الله عليه وسلّم , فنحن في عصر كثرت فيه رقّة الدين , لدى الرجال والنساء , عصر صار فيه حجاب المرأة نوع من التجمّل لما قد تفننت فيه المصانع من ترقيق وتلميع وتطريز وبراعة تلوين , عصر صعبت فيه الرقابة , وقل فيه الىمرون بالمعروف والناهون عن المنكر , وكثر لصوص الأعراض المتصيّدين إماء الله
عصر الفتنة فيه كائنة أينما برزت المرأة لعموم الرجال لما ذكرت .
فالحمد لله أن اتفقنا على وجوب ستر المرأة وجهها في زمنت الفتنة هذا .
وبالمناسبة فالعلماء مجمعون على وجوب تغطية الوجه عند الفتنة وكثرة الفسّاق , فلم يأت بجديد من أقرّ بوجوب الحجاب عند الفتنة فما أحد يسعه مخالفة إجماع علماء الأمّة قاطبة
ويبقى أننا مختلفون في كون ستر وجه المرأة واجب في حال عدم الفتنة
ولهذا أحبّ أن أتحدّث معك في هذا الأمر عسى الله أن يجعل فيما نقول خيرا :
أخي :
لقد اعتمدت في دعواك عدم وجوب التغطية على كلام للشيخ الألباني – رحمه الله تعالى –
فأودّ أن أوضّح أمورا منها :
أولا : لنسلّم جميعا أن الألباني بشر يصيب ويخطئ
كما نسلّم أن مخالفيه كذلك
وعليه فلو تبيّن للناس خطأ ما ذهب إليه الألباني للزمهم الرجوع عنه وعدم المضي معه فيه
وهذه البداية مدخل أراه طيّبا ليسير الحوار سيرا طيبا .
ومن المهم ملاحظته أنّني لست أهلا لأنصّب نفسي ندّا للعلماء , بل سأكون في حواري هذا عالة عليهم صادرا عن أقوالهم وما قرّروه سلفا وخلفا جزاهم الله عن أمتهم خيرا
سأتحدّث معك حديثا قد يطول عن أدلة الحجاب , ولكنّي رأيت أن أبدأ تقدمة بهذه المقولة التي نقلتها أنت سابقا عن الألباني من ردّه على التويجري لتكون مدخلا للحديث :
قال الألباني عائبا رأي المخالفين مفندا له :
(( تفسيرهم ل (الخمار) و (الإدناء) و (الجلباب) و (الاعتجار) بخلاف الأحاديث النبوية، والآثار السلفية، والنصوص اللغوية، بل وخلافاً لتفسيرهم لآية القواعد من النساء! ))
أولا قد احتج الألباني بالدلالة اللغوية , وقد أشار إلى هذا هنا بقوله : ( ... والنصوص اللغوية ... ) حيث ذكر أن الخمار في اللغة غطاء الرأس فقط , زاعما أنّ الوجه غير داخل في الرأس , وشنّع بمن يرون أنّ الخمار الشرعي يشمل الوجه
ونحن نحمد الله أن حاكمنا الألباني إلى اللغة فهي حجة عليه , إذ إنّ الرأس في لغة العرب شامل لكلّ ما حملت الرقبة ومن هذا الأذنان والوجه بما حوى .
وقبل الحديث عن دلالة اللغة دعونا نسلّم للألباني جدلا بأن الخمار غطاء للرأس دون الوجه ! أليس يعلم الألباني أنّ المصطلح اللغوي يطرأ عليه تعديل يسمى ( المصطلح الشرعي ) ومن هنا ما أكثر ما ورد عن علماء الشريعة تعريف الشيء لغة , وتعريفه اصطلاحا
فهناك معنى اصطلاحي فقهي يجدّ للفظة فيصرفها عن جمودها على معناها الأول , كالزكاة مثلا : هي في اللغة تعني النماء والزيادة , فجاء الإسلام فأكسبها معنى جديداً , فصارت في الاصطلاح الشرعي الذي طرأ عليها تعني المال المخصوص يدفع إلى طوائف مخصوصة .
وشواهد هذا من الكثرة لا تخفى على أحد , والألباني لا ينكر هذا النقل للمعنى
و عليه فلو سلّمنا جدلا بأنّ الخمار عند العرب قبل الحجاب يعني غطاء الرأس دون الوجه , فإنّنا نذكّر الألباني بأنّ آية الحجاب نقلت الخمار من كونه في اللغة يعني غطاء الرأس دون الوجه إلى كونه غطاء للرأس والوجه والعنق والنحر
ولهذا وقع التناقض في كلام الألباني ! فقد ردّ على مخالفيه بدلالة اللغة على أنّ الخمار للرأس فقط دون الوجه ! فما باله يحكم بأن الخمار يشمل العنق والجيب ! وهما أبعد عن الرأس من الوجه ؟!!!!!
ها هو الألباني قد وقع بما ذمّ به مخالفيه من مخالفتهم اللغة – بزعمه – ليعود هو ويجعل الخمار شاملا مع الرأس ما هو أبعد من الوجه , وهما الصدر والعنق !!!
وبعد هذا نأتي إلى الدلالة اللغوية لكلمة ( خمار )
تقول العرب : (( رأيته بأمّ رأسي )) فما أمّ الرأس ؟
إنها العين ! والعين بالوجه ! وهذا دليل على أن الوجه من الرأس عند العرب
وهكذا قولهم المشتهر عند القتل : (( قطع رأسه )) فهل يريدون أنّه قطع الرأس وترك الوجه ! هذا ما ألزمنا به الألباني من فهم للغة , حسب ما يفهم هو – رحمه الله - ! وهو محال لا يفهمه أي أحد !
وإليك قول صاحب اللسان عن القناع , ليتأكد لك خطأ ما ذهب إليه الألباني من تقريع المخالفين بدلالات اللغة قال ابن منظور : (( والقناع والمقنعة : ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها , وألقى على وجهه قناع الحياء , على المثل ....... ))
أرأيت كيف أنّه جعل القناع غطاء للرأس , وأنت تدرك أن القناع شامل للرأس والوجه بلا نزاع , بل هو أصلا صنع لغطاء الوجه , ومن هذا ما لقّب العرب به الشاعر (( المقنّع الكندي )) لأنه كان يلبس قناعا لمرض يصيب وجهه عندما يسفر عنه !
لقد فسّر ابن منظور القناع بأنه غطاء للرأس , مع علمه أن القناع غطاء للوجه لكونه يدرك أن من المسلمات إطلاق الرأس على الوجه
ومن هنا جاء تعقيبه دالاّ على مراده عندما حكى قول العرب : (( ألقى عن وجهه قناع الحياء ))
فالثمرة أنّ العرب تطلق كلمة الرأس وتريد العموم بما يشمل الوجه
هذه هي اللغة التي قرّع بها بها الألباني – رحمه الله - مخالفيه , تقف حجة عليه لا له !
فالمسألة واضحة , هي أن العرب تطلق الرأس وتريد الوجه معه
وأنه حتى لو كان الخمار للرأس دون الوجه , فآية الحجاب أمرت النساء بمدّ الخمار والضرب به على الصدور من الرأس ( وانتبه ألى دلالة الضرب ) { وليضربن } وهذه الدلالة نؤخرها إلى حين الحديث عن النصوص الشرعية , بعد الفراغ من الدلالة اللغوية - إن شاء الله تعالى - .
ومن الفهم الواعي لدلالات اللغة قول الفرّاء الذي نقله عنه الحافظ في شرحه حديث عائشة رضي الله عنها في حديث آية الحجاب : (( ... فاختمرن بها ))قال : (( أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها، وترميمه من الجانب الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار ..... )) . انتهى
والفرّاء من علماء اللغة
وكلامه واضح الدلالة فقد جعل للرأس جهتين : خلف وأمام , وذكر أن النساء كنّ يغطّين الجزء الخلفي من الرأس فأمرن بتغطية الجزء الأمامي أيضا .
هل انتهينا الآن من مسألة الدلالة اللغوية لندخل إلى الحديث عن النصوص الشرعية ؟
أنتظر ردّك الكريم