لا أظنني أستطيع أبدًا – مهما أوتيت من فصاحة – وصف سعادتي الغامرة يوم الأربعاء ! يوم تسليم الرواتب في مدرستي الجميلة ! وصدق حبيبي المصطفى يوم قال .. ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) !!
فبعد أن دب فيني التذمر والملل من الشقاء والروتين اليومي ؛ جاء هذا الراتب كالسحر الذي ضخ الدم والنشاط في عروقي المنهكة ! أحسست بشوق أكثر للعطاء .. للإنجاز .. بل وأحببت المدرسة أكثر !
دعوني أعود بكم إلى البداية ! مدرستي تبعد عن بيتي قرابة الساعة -في حال حب الشوارع و الإشارات لنا- ! أعطي فيها منذ أن تطأ قدماي أرضها إلى أن ألبس عباءتي للخروج منها ! فأنا أستاذة الحلقة و الحاسب والانجليزي وغرفة الألعاب و صالة الوجبات ! ويفكرون هذه الأيام بإعفائي عن جزءٍ من هذه المهام ، ليس رحمة لأعصابي المنهكة ! بل لأتفرغ للحفل النهائي ! في الحقيقة .. أتعب ! أتعب بشدة لدرجة أن ثلاثة أرباع وقتي في البيت أقضيه نائمة أو مستلقية ! ومع ذلك أنا سعيدة بدوامي ! صدقوني .. شعور مبهج وفرحة طاغية .. حين توقن بحاجة أحدٍ ما إليك ! فكيف إذا كانت مدرسة كاملة تنتظرك وتحسب لك حسابًا ! و 18 طفلًا بانتظار غرسك في أعماقهم ! إحساس غامر بالثقة يستوطن كل قطرة دم فيني !
المهم أني داومت شهرين وأكثر ومع ذلك لم أستلم إلا راتب واحد ! وأقل من باقي زميلاتي بمائتي ريال ، لكوني لازلت طالبة جامعية ! استلمت نقدًا 1500 ريال ! وكرمًا .. اذكروا الله يا أحبة ! ومن لحظة تسلمي لها إلى يومكم وأنا أحصيها وروحي في غاية الاستمتاع ! وكأنها ستزيد فلسًا واحدًا ! فرح و ( غباء ) طفولي ! ولا أخفيكم أني سررت أكثر يوم أن كان الراتب من فئة المائة ريال وليس الخمسمائة ! كونها ستصبح 15 ورقة نقدية معي ! أي أن نقودي أكثر ! وضعت الراتب في كيس أورغانزا ناعم وجميل .. وأرقدته تحت وسادتي .. كي يصبح مرافقًا لي حتى في النوم !
وطبعًا منذ أن توظفت وأنا أكتب في دفتري الصغير أمنياتي الجميلة التي أطمح لتحقيقها يوم استلامي لراتبي ..
هدية لأغلى حبايبي أمي ! لا تقل عن خاتم ذهب .. دهن عود فاخر لأبي الحبيب .. كذلك أعزم على إهداء أخي الصغير هدية خاصة جميلة تليق بحجم خدماته لي كـآيفون مثلًا ! حلاوة الوظيفة لأهلي كلهم .. وفكرت بعشاء في تشيليز ! اثنتين من أخواتي الغاليات اللاتي منعن من الوظيفة ومن الزوج الكريم ؛ اطمح إلى تدليلهن براتبي ! وطبعًا لنفسك عليك حق ! ولابد من أن أغير جو المدرسة والأطفال ، ففكرت بيوم تسوق جميل أشتري فيه ما يحلو لي من ملابس وكريمات وعطورات ! ولا أخفيكم أن فاتورة جوالي سأبدأ بتسديدها .. وكم أشعر بالرضا وأنا أعفي حبيبي والدي عن جزء من العبء المادي .. وأيضًا .. سأدخر جزء من الراتب لفساتين السهرة والكوافير الذي ينتظرني في الإجازة الطويلة !!
العرض الشجري