وماذا عن البكاء ؟ هل بكيت يوما على نفسك . . . ولم لا تبكي على نفسك وحالك ، والمصير الذي ينتظرك غدا وأنت تحت التراب ؟
والبكاء دليل على رقة القلب ، وأفضله ما كان من خشية الله سبحانه وتعالى ... اذ كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت من خشية الله تعالى . وهاهو زين العابدين عليه السلام في أحد أدعيته يصرح بأنه يبكي ، وحق لمثله من العارفين الموقنين أن يبكي ، يقول عليه السلام في دعائه :
( . . . سيدي أخرج حب الدنيا من قلبي ، واجمع بيني وبين المصطفى وآله خيرتك من خلقك وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله ، وانقلني الى درجة التوبة اليك ، وأعني بالبكاء على نفسي ... فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري ، وقد نزلت منزلة الآيسين من حياتي . فمن يكون أسوأ حالا مني ، ان أنا نقلت على مثل حالي ، الى قبر لم أمهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي .
ومالي لا أبكي ولا أدري الى ما يكون مصيري ، وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت .
فمالي لا أبكي ... أبكي لخروج نفسي ، أبكي
لظلمة قبري ،أبكي لضيق لحدي ، أبكي لسؤال منكر ونكير اياي ، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا ، حاملا ثقلي على ظهري ، أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي ، اذ الخلائق في شأن غير شأني ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة وذلة . . . )
البكاء اذن ليس دليل ضعف ولا يقلل من قيمة الرجل ، وهو مطلوب ليبعد المرء عن نفسه مرض القسوة " قسوة القلب " يقول الله تعالى ذما لليهود ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) . فمن الآن ابكي وتباكى واغسل عن نفسك أدرانها ، لعل الله تعالى يشملك برحمته ورضوانه . . .