في قراءة لكتاب ( الجمر والرماد ) للمفكر الفلسطيني هشام شرابي يقول:
عند إلتحاقي في جامعة شيكاغو أكتشفت أن هانك تعابيراً في اللغة الإنجليزية كنت أعرف معناها لكني لم أستعملها إلا نادراً ، مثل Probably ( على الأرجح ) Some what ( نوعا ما ) to some extent ( إلى حد ما ) للتخفيف من حدة الجزم ، فتسبغ على الكلام إتزاناً وأعتدالاً . غير ان أساتذتنا ( يقصد في الجامعة الأمريكية في بيروت ) لم يستعملوا هذه التعابير في محاضراتهم إلا نادراً ، وبالواقع لم أنتبه إلى هذا الأمر الا بعد مرور عدة اسابيع من إلتحاقي بجامعة شيكاغو لاحظت أن اساتذتي وزملائي كانوا لا يتكلمون دون استعمال هذه التعابير ، لفت نظري مثلاً أني كلما شاركت في حوار وجدتني أتكلم بالمطلقات وبتعابير قاطعة نهائية ، وسرعان ماتبين لي أن السبب في ذلك لم يكن اللغه وحسب بل يرتبط بالفكر وأسلوب التعبير . كانت الفكره في ذهني أما أن تكون صحيحة أو خاطئة . فإذا كانت صحيحة شعرت أنه كان علي أن أدافع عنها دفاعاً كليا ، ربما لآننا كنا نعتقد مثل أساتذتنا وآبائنا أننا دائماً على صواب وأن الأخرين على خطأ فقد كان موقفي في أغلب الأحيان دفاعيا ًيرفض كل انواع النقد . ولاحظت أن زملائي الأمريكيين بدأوا يستغربون تصرفي هذا خصوصاً تمسكي الشديد بوجهة نظري فتوقفوا عن الدخول في مناقشات معي .
وفي مقطع أخر ..
ولا أنسى ذات مرة كنت أتحدث فيها الى استاذي تشالرز موريس في ظل شجرة في باحة الجامعة حول محاضرته صباح ذلك اليوم ، وقلت له :
- ومهما يكن من امر فان الحقيقة لايمكن ألا ان تفرض نفسها .
وصمت موريس برهة ، ثم قال بهدوء :
- لنضع الحقيقة جانباً ، فالحقيقة ليست موضع بحثنا الأن
صعقني قوله ( كانت الحقيقة ) بالنسبة إلي شيئاً مقدسا وموضوع كل بحث، ولم أفهم ما عناه موريس بقوله هذا إلا بعد مضي وقت طويل ، ظهرت لي الحقيقة على حقيقتها ، مقولة فكرية بين المقولات الفكرية الأخرى ، ومنذ ذلك الحين بدأت بالتخلص من عبودية ( الحقيقة ) الغيبية التي زرعتها في نفسي دراستي في الجامعة الأمريكية في بيروت ، وأخذت أرى الأمور في ضوء جديد يختلف كل الإختلاف عما تعودت عليه حتى ذلك الحين .
إنتهى كلام الدكتور هشام شرابي
بعد قرأتي لهذه الكلمات توقفت كثيراً اتأمل في حالنا سواء في المجتمع المحيط القريب أو من خلال مجتمع الأصدقاء أو من خلال مجتمع المنتدى (( ذلك العالم الإفتراضي )) كيف هي حالنا وفي نقاشاتنا ..
حسناً .. أعزائي .. لنأخذ هذه الحالة في منتدانا ..
عندما يكتب عضواً .. موضوعاً ما .. يعتبره البعض الأخر نشازاً بحكم توجهاته الفكرية أو معتقداته الإجتماعية . نجد أن العضو الأخر .. يعقب على هذا الموضوع بانه ماكُتب إنما هو خطأ وبعيد كل البعد عن الصحه .. وأن مايمتلكه هي (( الحقيقة )) يرد صاحب الموضوع على المُعقب وهو متأبطاً سلاحه وكافة ذخائره - الكلامية - الدفاعية لإطلاق النيران على ( حقيقة ) المُعقب .. وأن حقيقة المُعقب ليست إلا - هذيان - وكيف يمتلك الحقيقة ذلك العضو المُعقب وهو من كتب الموضوع ويعرف حيثياته وخفاياه .. ويتعدى الموضوع ويتطور لينحى المنحى الشخصي ...!!!
فهل لدينا إستعداد لتمرين أنفسنا على تلك
أم أن كل واحد منا يعتقد أنه يمتلك الحقيقة !!
محبكم
وسط البلد