تَذكِيرُ الأَحيَاء بِخُلُقِ الحَيَاءِ ..)
تَذكِيرُ الأَحيَاء
بِخُلُقِ الحَيَاءِ
الشيخ/عبدالهادي بن حسن وهبي
• الحَيَاءُ شَرعًا: خُلُقٌ يَكُفُّ العَبدَ عَنِ ارتِكَابِ القَبَائِحِوَالرَّذَائِلِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى فِعلِ الجَمِيلِ، وَيَمنَعُهُ مِنَ التَّقصِيرِفِي حَقِّ صَاحِبِ الحَقِّ، وَهُوَ مِن أَعلَى مَوَاهِبِ اللَّهِ لِلعَبدِ.
أَوَّلًا: الحَيَاءُ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُقَالَ: قَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ: أَوْ قَالَ: «الـحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ»[1].
«لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الخَيْرِ وَمَانِعٌمِنَ المَعَاصِي، وَيَحُولُ بَيْنَ الـمَرْءِ وَالقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّايُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌمَحْمُودٌ، لَا يُنْتِجُ إِلَّا خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍفَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنَ ارْتِكَابِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌبِسَبٍّ وَشَتمٍ، فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ،أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُمَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الكَلَامِ المُحَرَّمِ،كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ فَالَّذِي يَكُونُلِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍمَحْمُودٍ»[2]. وَلِـهَذَا كَانَ الحَيَاءُ خَيرًا كُلُّهُ، بَل هُوَالدِّينُ كُلُّهُ.
عَنْ قُرَّةَ - ابنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَذُكِرَعِنْدَهُ الحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَاللَّهِ، الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَرَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ»[3]. لِعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ، وَجَلِيلِ قَدْرِهِ، وَسُمُوِّ مَحَلِّهِ.
ثَانِيًا: الحَيَاءُ إِيمَانٌ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَارُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ»[1].
الحَيَاءُوَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ لَا يَفتَرِقَانِ إِلَّا جَمِيعًا؛ لِاستِوَائِهِمَا فِيالحَثِّ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَعمَالِ البِرِّ وَالخَيرِ، وَالزَّجرِ عَن كُلِّشَرٍّ وَقَبِيحٍ مِنَ الفُحشِ وَالفَوَاحِشِ، وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَالآثَامِ. فَإِذَارُفِعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَرْءِ رُفِعَ مِنْهُ الْآخَرُ. وَهَذَا مُشعِرٌبِعَظَمَةِ الحَيَاءِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالـحَيَاءُشُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»[2].
يَعْنِي: شُعْبَةً عَظِيْمَةً وَمُهِمَّةً مِنَالإِيْمَانِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: التَّنْبِيْهُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِالشُّعَبِ[3].
وَإِنَّمَا خَصَّهُ هُنَا بِالذِّكْرِ، «لِأَنَّهُيَمْنَعُ مِثْلَ الإِيْمَانِ مِنَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ، وَمَا يُعَدُّ مِنَالفُحْشِ وَالفَوَاحِشِ»[4].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُعَنهُمَا: أَنَّ رَسُولَاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَرَّ عَلَىرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ؛ فَقَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «دَعْهُ، فَإِنَّ الـحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ»[5].
ثَالِثًا: الحَيَاءُ أَبهَى زِينَةٍ:
إِنَّ الوَجْهَ المَصُوْنَ بِالحَيَاءِ، كَالجَوْهَرِالمَكْنُوْنِ فِي الوِعَاءِ، وَكَاللَّآلِئِ فِي البِحَارِ، وَكَاللُّبَابِ فِي الثِّمَارِ، وَلَنْيَتَزَيَّنَ إِنْسَانٌ بِزِيْنَةٍ، هِيَ أَبْهَى وَلَا أَجْمَلُ مِنَ الحَيَاءِ.
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِيشَيءٍ إِلَّا شَانَهُ»[1].
فَلَا يَكُونُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ،إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ؛ وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ، إِلَّاشَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ.
الحَيَاءُ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ، بَل هُوَ الخَيْرُكُلُّهُ.وَالفُحشُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، بَل هُوَ الشَّرُّ كُلُّهُ.
رَابِعًا: الحَيَاءُ خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَوَتَعَالَى:
عَن أَشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ[لِي] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَينِ يُحِبُّهُمَااللَّهُ» قُلتُ: وَمَا هُمَايَارَسُولَاللَّهِ؟ قَالَ: «الحِلمُ وَالحَيَاءُ» ...[2].
وَعَنيَعلَـىبنِأُمَيَّةَرَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّرَسُولَاللَّـهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيهِ وَسَلَّمرَأَىرَجُلًايَغتَسِلُبِالبَـرَازِبِلَاإِزَارٍ،فَصَعِدَالـمِنبَـرَ،فَحَـمِدَاللَّـهَ،وَأَثنَىعَلَـيـهِ؛ثُمَّقَالَصَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّاللَّـهَعَزَّ وَجَلَّحَيِيٌّسِتِّـيـرٌ،يُـحِبُّالـحَيَاءَوَالسَّتـرَ،فَإِذَااغتَسَلَأَحَدُكُمفَلـيَستَتِـر»[3].
خَامِسًا: الحَيَاءُ يَقُودُ إِلَى الجَنَّةِ:
عَنأَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيهِ وَسَلَّم: «الحَيَاءُ مِنَالإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ؛ وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُفِي النَّارِ»[4].
* «الإِيمَانُفِي الجَنَّةِ»: هُوَ أَهلُ الإِيمَانِ فِي الجَنَّةِ. وَمَعنَىالبَذَاءِ فِي النَّارِ: هُوَ أَهلُ البَذَاءِ فِي النَّارِ.
* «البَذَاءُ»: الفُحْشُ فِي القَوْلِ،وَالسُّوءُ فِي الخُلُقِ. وَالكَلَامُ البَذِيءُ: الكَلَام
القَبِيحُ.
* «مِنَ الجَفَاءِ»: أَي أَهلُهُ التَّارِكُونَ لِلوَفَاءِ، الثَّابِتُونَ عَلَىغَلَاظَةِ الطَّبعِ وَقَسَاوَةِ القَلْبِ. وَهَذَا يُوْرِثُ تَرْكَ الصِّلَةِوَالبِرِّ.
التوقيع |

|
|