تقرير كتبه : سراء الشهري
يزخر السوق بكل جديد للمرأة ، فلم تترك صرعات الموضة شيئاً من أساسيات المرأة أو كمالياتها لم تعالجه . آخر صرعات الموضة عباءتها التي يفترض فيها أن تبحث عن ما يستر .
ولكن ، بحسن نية أو بخبث ومكر في أحيان أخرى ، انتقلت العباءة إلى مصدر ربح من الدرجة الأولى للباعة ، ومصدر أناقة وتنافس للمشتريات من جهة أخرى .
وهذا الاندفاع المحموم كان له تبريرات عند بعض السيدات .. كانت كالتالي ..
لمى .. شابة في العشرينات ، تنتقي أغلى العباءات ، وبآخر الصرعات ، وكانت من الجرأة أن قالت أن هذه هي الطريقة الوحيدة ليختبر الآخرون أناقتها . بادرت متسائلة ، هل المقصود هو جذب الانتباه .. هل يحقق لك اشباعا ذاتيا أن يلتفت اليك الموجودون . قالت " من حقي أن أكون أنيقة ، أنا لم أكشف جسدي ، إنه رداء خارجي " .
تتأمل عباءتها ، فإذ هي أشبه بالعباءة الرجالية ، من خامة حريرية منسدلة ، رسم في آخرها وعلى الطرحة كلمات عربية لا يمكن قراءتها ، فهي رسوم لحروف بدون نقاط ، تظهر كأبيات الشعر القديمة .
سألت لمى .. ألا تتعرضين لشيء من المضايقات ، قالت " أكيد يضايقوني " . فما السبب إذن ، تقول مسرعة " أنا ما أعطيهم وجه ، هم يفكرون أني قليلة أدب " . إذن الحكم هنا للظاهر فقط . صمتت .. ثم التفتت إلى هاتفها ، أي أن النقاش انتهى .
أخذت أتأمل المتسوقات في هذا المجمع الجديد في الخبر ، المكتظ بالعائلات ، إنما الأغلبية ابتعدوا عن ذويهم ليبدأ كل منهم مغامرته الخاصة .. ذكوراً .. وإناث .
في باحة المطعم .. دخلت إحداهن لتناول الطعام .. عباءتها وثيابها وحقيبتها تجمع كل التناقضات . العباءة سوداء من الـ( دانـتيل ) ـ وهو قماش يظهر أجزاء مما تحته ـ مبطن بلون أزرق يميل للاخضرار ، و غطاء الرأس على العكس تماماً ، أزرق ببطانة
سوداء . أما الحقيبة فزرقاء ، وظلال العين بدرجة أزرق غامق .. و خصلة شعرها الصفراء تتدلى ، رغم ظهور جذور الشعر الحقيقي الأسود في مقدمة الرأس .
في ركن آخر سيدة ممتلئة القوام ، تكدس جسمها في عباءة فرنسية ـ مصطلح العباءة المخصرة ـ حتى إن غطاء الرأس انحسر عن جزء من الرقبة ، لتستـشف ربما أنها كانت فيما مضى أقل وزناً ، وأكثر قصراً .
باءت مجمل محاولات استمالة الفتيات للحديث إلى فشل ... إلا لمى ، وأم شهد ـ رغم كونها لم تتزوج بعد ـ . أوضحت لها الهدف من هذا التقرير ، ولماذا الرغبة في الحديث .. لتقول " أشد الظلم أن نحكم على الآخرين من ملابسهم ، أنا ارتدي عباءة الرأس منذ عرفت الحجاب ، وسأظل بها بأذن الله إلى أن أموت ، ويؤسفني أن أشاهد فتياتنا بهذه المناظر التي تسيء لهن . أنا لن أتحدث عنهن بسوء ، أو اتهمهن في أخلاقهن ، ولكني مصرة على أن بعض عباءات الكتف هي ليست فاتنة ، فكثير من المصريات والسوريات معي في مركز خديجة لتحفيظ القران يلبسن عباءات كتف ، ولكنهن تخفين أجسامهن ، وقد تقابلين سيدة بعباءة رأس من النوع الجديد الذي يضم أسفل الكتف ، فيظهر الصدر .. فهي عباءة فاتنة " .
وتضيف .. محاولة توضيح فكرتها " إن المقياس هي الفتاة نفسها ، أن ترتدي ما تعرف انه لائق . قريبات لي يرتدين عباءات كتف ، لكن ليس بها ما هو ملون ولا هي مخصرة ، واجلس معهن بفخر في المجمعات أو المطاعم لأنهن لا يسئن لمظهري . إنما .. انظري لمشية بعض الفتيات ونظراتها الجريئة وضحكها بصوت مرتفع ، وعباءة بأبيات شعرية من الخلف ، أو كتابات مشينة ، فما هدف فتاة تلبس عباءة كتب عليها بالإنجليزية اتصل بنا ، أو أتحداك تلمسني ، أو عباءة توشحت بسيفين ونخلة " .
هممت بعد هذا التفصيل بالمغادرة .. فإذ بها تشير إلى سيدة تحمل طعاما ، وقالت انظري إلى هذه .. عباءة ممزقة الأطراف ومتسخة .. هل هذا من الإسلام ، وقالت " أيعتبر غسل العباءة وكيها تبرجاً " .
إلى واجهات المحلات في المجمع .. محلات العباءات بات يصعب تفريقها عن محلات ( الجلابيات) ، إلا بالاسم ، فالتصاميم أصبحت متـشابهة . فإلى أشهر محلات العباءات كانت الجولة الأخيرة . إلى ذلك المحل المفضل لفتيات نادي شاليهات الغروب .. وهو حزب نسائي ما . هو أبرزها .. وأشهرها .. بمدينة الخبر ، فرعه الأساسي في جدة ، بدأ عمله منذ أقل من عام . العباءة فيه تبدأ بما لا يقل عن 2000 ريال . تلك واحدة عليها عين ، وخرزة زرقاء ضد الحسد ، أي أن من تلبسها رائعة الجمل .. تخشى الحسد .. وإن كانت غير ذلك .
وأخرى نقشت عليها قصيدة باللغة الإنجليزية ، بها آثار صورة لـ(فلنتاين) سيد العشاق ، سعرها 3500 ريال .
أما تلك .. فللمثقفات ، عباءة بالكتابات الصينية .. ؟ . وأسماء أخرى لأنواع وأشكال لا تنتهي ، فهذه عباءة الفراشة ، وهناك .. عباءة الوطواط .. وهي عباءة قصيرة من الأمام طويلة من الخلف . وعباءة السمكة التي يتم تقصيرها من الجوانب بطريقة منحنية ، وتلبسها السيدات من حجم السمكة إلى حجم الحوت .. كما يقال . أما العباءة الأشد غرابة فهي عباءة (الروب) وهي من قماش ناعم يلتصق بالجسد ، وهي الخامة المستخدمة في صناعة قمصان النوم .
ثم .. إلى محل آخر .. في مجمع صغير على طريق الأمير فيصل بن فهد ، وهو لشابة في نهاية العقد الثاني ، تمتلك عقلية تجارية ، حيث استأجرت محلا ووضعت عليه ملصقات من صحف متنوعة .. ليبدو من بعيد مكاناً لم يفتتح بعد .. بينما تأتي السيدة .. فتطرق الباب ، لتستقبلها العاملة الأثيوبية فتباع العباءة من 1400 ريال وصولا إلى 3800 ريال . والسبب بضع إكسسوارات كبيرة تلصقها بالعباءة ، تجلبها من مصر ، ولبنان ، بأسعار زهيدة ، تتضاعف قيمتها عندما توضع على العباءة .. لتجتمع على العباءة السوداء .. كل الألوان التي يأتي بها قوس قزح .. والذي غادر مع ساعة الإقفال