قبل قليل ذهبت للشارع ..
لذات الرصيف الذي اعتدت الجلوس عليه ..
لذات المكان ..
تعريت من كل أسمالي ..
جعلت جسدي ممرا سهلا للعابرين ..
أردت أن تغير ( أحذيتهم ) لوني العربي ..
كانت الأحذية أنعم وأحدث من أن تغير سحنتي العربية ...
يتغير الموت فينا كل حين ..
تلاحقنا لعنة الطقس الحار / الموت الحار / السفن الموغلة في خيبتنا / الليالي التي تدفن فيها الأقمار الصغيرة ..
أي موت شهي يختار ضحاياه بين البر والبحر ..
يستدرجهم لفاهٍ كريهة تلتقم أجسادنا بلا أنياب إمعانا في التعذيب الداخلي ..
أي لون في حياتنا غير الأحمر / الدم / الخبر العاجل / شاشات الرقص العربية / الليالي الحمراء على أسرتنا ..
أي لون يثيرنا ..
وصغار الشهداء يعبرون كحبات السنابل فوق رؤوسنا ..
أي بحر / أي شطًّ يغسلنا من كل خيبات الوجع .. والبعيد الغريب هو من جاء لفتح النوافذ لنا...
ياثيران أسبانيا العظيمة لكي تعتادوا اللون الأحمر شاهدوا شاشتنا ...
يستنكر الزعماء / القادة / الكراسي / الأرصدة / الأحذية
هذا العدوان الإسرائيلي على قافلة بيضاء ... وعند الأسرّة يحمد القوم (الثغاء)
لتمت غزّة الحبلى من العار ...
لتغلق أفواه الصغار على ساحل الحزن ..
لتعود الطيور الخماص / الخماص لأعشاشها .. ليس في قاموس ( غزة ) بطان ولا سمان ..
لتحفر القطط أكوامها علّ كفّ صغير ضاع بين تلك الحطام ..
لتنام الأمهات وأطراف أناملهن في فم حواصلهن ...
لتعتاد الظلام ... ليس هناك قمر يهرّب في ليل الحصار ..
لتُكفأ الألغام .. هم بحاجة لبقاياها لشرب بقية مطر نزل ذات وجع عليهم .. حتى وإن كان فيه رائحة لحبيب راحل ..
ياوجهنا ( العربي ) القذر ...
يامنفى أوساخ العالم ..
يامقبرة المهانة وميلادها ...
يا خطوطنا الكثيرة المتعبة ..
ياحدودنا التي زرعت بالألغام ...
ياثورات البجع القبيحة ..
يا منصات التتويج لجميلات العالم ..
يانفطنا الذي متنا فيه عطشا ..
ياعيني طفلةَ غزةَ السادرة ..
عاجل ..
تسعة عشر قتيل ..
مصادمات / مواجهات / الأمير يستنكر / السفارات تحتج / العالم يشجب ..
وكيف أقنع العروس المنتظرة بفستانها أن حبيبها قُتل والجميع يستنكر ..
وكيف أقنع الصبي الذي قضم إصبع أمه ... أن حليبه الأبيض صار أحمرا بلون الشهداء ..
وكيف أقنع الجميلة أن المرآة التي تعكس القمر نامت في الأعماق .. قد ترشد غريقا أن ثمن الحرية يبدأ من القاع ..
وهل على العجائز أن ينتظرن أولادهن على ذات العتبة ..
الذين اعتادوا في كل دول العالم أن يطلوا من نوافذهم ..
عليهم أن يجربوا نوافذ غزة ..
هناك يُطلّ الصغير بحثا عن لعبته..
هناك يُطِل الشيخ بحثا عن عصاه ..
هناك تطل فتاة بحثا عن شنطة حزن ..
هناك تُنسى لغة الأرقام الغزلية ...
هناك لاتطوى الأرقام خلسة للفتيات .. مشغولات بصناعة الكوفيات للشهداء ..
هناك لا تكون المواعيد بعد سنوات ولا شهور ولا أيام .. الحياة هناك أقصر .. المواعيد بعدد التوابيت التي ترحل ..
هناك لاتُسَمّى الشوارع بأسماء الشهداء .. ولا بأرقامهم .. ولا ببطاقات هوياتهم .. ولا بطبقيتهم ..
وهل هناك شوارع في مدن تحترف الشهادة أكثر ..؟!!
يتصل غريب على صديقه الغزاوي.. لا يجيبه أحد ..لم يعتد هذا المتصل أن المسافة بين وطنين هي لغم جماعي والخطوط لاتزال ترن ..
يحجز مغترب غاب عن وطنه سنوات طويلة تذكرة العودة .. يجتاز كل الحدود يبحث عن أصدقاء الطفولة .. فلا يجد غير كوفيات بعدد الأصدقاء الذين رحلوا ..
يكسر صحفي طوق الحصار .. يكتب تقاريره الموجعة ..يبحث عن مقهى فلا يجد غير مآذن مهدمة يرسل منها لكل العالم أن يد العجائز كلّت من صنع الأكفان ....
يحضن والد طفله الصغير .. يُلبسه البياض .. يُعلمه كيفية الوقوف على عتبات الشوارع بانتظار دبّابة / مجنزرة لتكون مرمى أحجاره ..
هناك القُبَلُ بين الأبوّة والصغار .. قُبَل المودِّع الذي لن يعود ..
أيها الشرهون ... انتبهوا فحلواكم كاملة الدسم مضرة بصحة أطفالكم .. !!