منقول من الساحات السياسية
عدت من إجازة طويلة في أوربا وأصغيت السمع والعقل والقلب لما يدور من أحاديث ، وما يتبادله الناس هناك من اهتمامات ، وطالعت الصحف ، وتابعت القنوات المحلية ، وتأملت طويلا في هذا العالم المشغول عنا بحياته وركضه اللاهث في الحياة .....
وجدت القوم ـ ويا ويحي ـ يسيرون في حياتهم اليومية وفق انضباط شديد ، وحرص على الوقت والنظام والأدب العام في التخاطب بعضهم مع بعض ومع الغرباء . إن هذا ليس اكتشافا جديدا ولكنه يتجدد في كل سفر كمعلومة مبهجة للنفس .
وجدت القوم في شغل بأنفسهم عن الآخرين ، وفي سعي دؤوب للإنجاز والبناء والإضافة اليومية ؛ بعض هذه البلاد غبت عنها سنتين ووجدتها هذه المرة شيئا آخر كأني لا أعرفه ، بعضها غبت عنه ثمانية عشر عاما وجدت مدنا جديدة مضافة على أحدث طراز ، وجدت عالما آخر تحت الأرض ، وطرقا متاقطة للمترو وللقاطرات وللسيارات وفق أحدث النظم وبأجمل المواصفات فوق الأرض وتحتها .
لا أحد يؤذيك ، ولا يتشكك في أمرك ، ولا يتابعك بنظراته الموحشة المخيفة قليلة الحياء ، وإذا أنت ألقيت عينيك على أحدهم صدفة أشاح نظره عنك تأدبا . إنه نمط في الحياة مريح هذا الذي يعيشونه ؛ بينما نحن نتقاتل ، ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات والتقولات والأحقاد والتربص والتكفير والنفي والتخريب والمؤاخذة والتصيد . نحن في حالة الاحتراب هذه والفوضى والادعاء الكاذب بالنقاء والتطهر نخرب بيوتنا بينما العالم من حولنا يبني وينجز وينطلق عنا بعيدا بمسافات هائلة من السنوات الضوئية .
ندور في فلك مريض من الاختلافات بيننا ويقتل من يقتل راميا جسده في الأتون اللاهبة بحجج واهية كاالجهاد أ والدعاوى الأخرى بينما يزيد هذا المدعي بجسده المحترق في آلام الأمة وأوجاعها .
ندور في فلك مريض من التخريب وتعطيل الحياة والعودة إلى سنين الشتات والتصحر والعالم من حولنا لا يسمع عنا إلا مجرد نكتة سامجة تثير الشفقة والسخرية ....
من أحق بالنمط الهادئ المريح المتضر في الحياة : نحن أم هم ؟؟؟؟؟؟
ولماذا يبنون ونحن نهدم ؟؟؟؟؟؟
ولماذا يتمتمع الإنسان عندهم بهذا لقدرالكبير من الاحترام والجمال على حين يعيش أي منا وفي داخله اضطهاد خاص وغصة ممن حوله وممايدور حوله ؟؟؟؟؟؟
ولماذا هم مؤدبون ومنضبطون وألفاظهم لطيفة وراقية بينما يفجؤك بدوي بزيه العسكري بعبارات جلفة خشنة نابية من أول وهلة لدخولك البلاد ؟؟؟؟؟؟؟
وإلى متى سنظل على هذه الحال محل شماتة العالم وسخريته ؟؟؟؟
العرض الشجري