[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق الله المصائب والآلآم فمالحكمة من ذلك ؟
خلق الآلام والمصائب فيه من الحكم مالا يحيط بعلمه إلاالله-عز وجل-تلك الحكم التي تنطق بفضل الله ،وعدله، ورحمته ومنها:
1-أستخراج عبودية الضراء وهي الصبر :
قال - تعالى - {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }{35ألانبياء}فالابتلاء بالسراء والخير يحتاج إلى شكر ، والابتلاء بالضراء والشر يحتاج إلى صبر .
وهذا لايتم إلا بأن يُقلّبَ الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله -تعالى-
قال -صلى الله عليه وسلم -((عجباً لأمر المؤمن ؛إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))
رواه مسلم من حديث صهيب .
2-طهارة القلب ، والخلاص من الخصال القبيحة :
ذلك ان الصحة قد تدعو إلى الأشر ، والبطر ،والإعجاب بالنفس ؛ لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة ، وهدوء بال ونعيم عيش.
فإذا قُيّد بالبلاء والمرض إنكسرت نفسه ورق قلبه ،وتطهر من أدران الأخلاق الذميمة ، والخصال القبيحة من كبر ، وخيلاء ، وعجب ، وحسد ، ونحوها ، وحل محلّها الخضوع لله ، والانكسار بين يديه والتواضع لخلق الله ، وترك الترفع عليهم .
قال المنبجي -رحمه الله -: ((< وليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر ، والعجب ، والفرعنة ، وقسوة القلب ماهو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً ؛ فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب ؛ تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظاً لصحة عبوديته ،واستفراغاً للمواد الفاسدة ، الرديئة ، المهلكة ؛ فسبحان من يرحم ببلاء ، ويبتلي بنعمائه ، كما قيل :
قد ينعم الله بالبلوى ،وإن عظمت ويبتلي الله بعــــــض القـــوم بالنعم
فلولا أنه - سبحانه وتعالى - يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا وتجبروا في الأرض ، وعاثوا فيها بالفساد ؛ فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر ، ونهي ، وصحة ، وفراغ ،وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها -تمردت ، وسعت في الارض فساداً مع علمهم بما فعل بمن قبلهم ، فكيف لو حصل لهم مع ذلك إهمال ؟
ولكن الله -سبحانه وتعالى - إذا اراد بعبده خيراً سقاه دواء الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ منه الأدويه المهلكة ، حتى إذا هذبه ، ونقاه ، وصفاه أهّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، ورقاه ارفع الآخرة ، وهي رؤيته > ))<تسلية أهل المصائب ص25>
3- تقوية المؤمن :
ذلك أن في المصائب تدريباً للمؤمن ، وامتحاناً لصبره ، وتقوية لإيمانه .
4-النظر إلى قهر الربوبية وذل العبودية :
فإنه ليس لأحد مفر عن امر الله وقضائه ،ولا محيد عن حكمه النافذ وابتلائه ؛ فنحن عبيدالله ، يتصرف فينا كما يشاؤه ويريده ، ونحن إليه راجعون في جميع امورنا ، وأليه المصير يجمعنا لنشورنا .
5- حصول الإخلاص في الدعاء , وصدق الإنابة في التوبة :
ذلك أن المصائب تشعر الإنسان بضعفه ، وافتقاره الذاتي إلى ربه فيبعثه ذلك إلى إخلاص الدعاء له ، وشدة التضرع والاضطرار إليه ، وصدق الإنابة في التوبة والرجوع إليه .
ولولا هذه النوازل لم يُرَ على باب اللجأ والمسكنة ؛ فالله - عزوجل - علم من الخلق اشتغالهم عنه ، فايتلاهم من خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى باب يستغيثون به ؛ فهذا من النعم في طي البلاء ، وإنما البلاء المحض مايشغلك عن ربك .
قال سفيان بن عيينة -رحمه الله -: ((مايكره العبد خير له مما يحب ؛ لأن مايكرهه يهيجه للدعاء ،ومايحبه يلهيه (< كتاب الفرج بعد الشدة لأبن أبي الدنياص22>))
6-إيقاض المبتلى من غفلته :
فكم من مبتلى بفقد العافية حصلت له توبة شافية ، وكم من مبتلى بفقد ماله انقطع إلى الله بحسن حاله ، وكم من غافل عن نفسه ، معرضٍ عن ربه أصابه بلاء فأيقظه من رقاده ، ونبهه من غفلته ، وبعثه لتفقد حاله مع ربه .
7-معرفة قدر العافية :
لأن الشيئ لا يعرف إلا بضده ، فيحصل بذلك الشكرُ ، الموجب للمزيد من النعم ؛لأن مامَنَّ الله به من العافية أتم وأنعم ، وأكثر وأعظم مما ابتلى واسقم ، ثم إن حصول العافية والنعمة بعد ألم ومشقة أعظم قدراً عند الإنسان .
8-أن من الآ لام ماقد يكون سبباً للصحة :
فقد يصاب المرء بمرض ويكون سبباً للشفاء من مرض آخر ، وقد يبتلي ببلية فيذهب لعلاجها فيكتشف أن به داءً عضالاً لم يكتشف إلا بسبب هذا المرض الطارئ ، قال أبو الطيب المتنبي :
لعل عَتبَك محمود عواقُبهُ وربما صحت الأبدان بالعلل<ديوان المتنبي>
9- حصول رحمة أهل البلاء :
فالذي يبتلى بأمر ما- يجد في نفسه رحمة لأهل البلاء ، وهذه الرحمة موجبة لرحمة الله وجزيل العطاء ؛ فمن رَحِمَ من في الارض رَحِمَهُ من في السماء .
10-حصول الصلاة من الله والرحمة والهداية :
قال -تعالى-
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} {البقرة }
11-حصول الأجر ، وكتابة الحسنات وحط الخطيئات :
قال - صلى الله عليه وسلم - : ((مامن شيء يصيب المؤمن ، حتى الشوكة تصيبه ، إلا كتب الله له بها حسنة ، أوحُطت عنه بها خطيئة ))رواه مسلم
قال بعض السلف : ((لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس ))كتاب برد الأكباد- ص46
بل إن الأجر والثواب لايختص به المبتلى فحسب ، بل يتعداه إلى غيره ؛ فالطبيب المسلم إذا عالج المريض واحتسب ، الأجر كتب له الأجر -بأذن الله -؛ فمن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة .
وكذلك الذي يزور المريض المبتلى يكتب له الأجر ، وكذلك من يقوم على رعايته .
12- العلم بحقارة الدنيا وهوانها :
فأدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفوه ، وتنغص حياته ، وتنسيه ملاذَّه ، والكَيّسُ الفَطِنُ لا يغتر بالدنيا ، بل يجعلها مزرعة للآخرة .
13-أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه :
وهذا سر بديع ، يحسن بالعبد أن يتفطن له ؛ ذلك أن الله -عزوجل- أرحم الراحمين ،وأحكم الحاكمين ؛ فهو أعلم بمصالح عباده منهم ، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم .
وإذا أنزل بهم مايكرهون كان خيراً لهم من ألا ينزل بهم ؛ نظراً منه لهم ، وإحسان إليهم ، ولطفاً بهم .ولو مُكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم ، لكنه -عزوجل- تولى تدبير أمورهم بموجب علمه ، وعدله ، وحكمته ، ورحمته أحبوا أم كرهوا .
14-أن الإنسان لايعلم عاقبة أمره :
فربما طلب مالا تحمد عقباه ، وربما كره ماينفعه ، والله -عزوجل- أعلم بعاقبة الأمر .
قال ابن القيم -رحمه الله- : ((فقضاؤه للعبدالمؤمن عطاء وإن كان في صورة المنع ،ونعمة وإن كان في صورة محنة ، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية .
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ماالتذ به في العاجل ، وكان ملائماً لطبعه .
ولو رزقه من المعرفة حظاً وافراً لعدَّ المنع نعمة والبلاء رحمة ، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية ، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى ، وكان في حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة ))(كتاب مدارج السالكين2\215-216)
15-الدخول في زمرة المحبوبين لله -عزوجل-:
فالمبتلون من المؤمنين يدخولون في زمرة المحبوبين المُشرّفين بمحبة رب العالمين ؛ فهو -سبحانه- إذا أحب قوماً ابتلاهم ، وقد جاء في السنة مايشير إلى أن الابتلاء دليل محبة الله للعبد ؛
حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ،فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ))أخرجه الترمذي(2396)وابن ماجة(4031)من حديث أنس ، وحسنه الترمذي والالباني في صحيح الترمذي 2\286.
16- أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس بالعكس :
فإذا صحت معرفة العبد بربه علم يقيناً أن المكروهات التي تصيبه ، والمحن التي تنزل به أنها تحمل في طياتها ضروباً من المصالح والمنافع لا يحصيها علمه ، ولاتحيط بها فكرته .
بل إن مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب ؛فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها ، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها ،
قال-تعالى -:
{فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا 19 }النساء
وقال-تعالى- :
{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 216 }البقرة
فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب ، وأن المحبوب قد يأتي بالمكروه -لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة.
((( انظرتفصيل الحديث عن حكم المصائب في :صيد الخاطر لأبن الجوزي ص91-95-213-215-327-328،والفوائد لأبن القيم ص137-139،178-179-200-202، وبرد الاكباد ص37-39)))
إلى غير ذلك من الحكم التي قد يعلمها بعض الناس وقد لا يعلمها .
ومن هنا يتضح لنا أنه لاتنافي بين إرادة الله لأمر من الامور مع بغضه له، لماله-عزوجل- من الحكم العظيمة الباهرة ،(( وليس اطلاع كثير من الناس -بل أكثرهم- على حكم الله في كل شيء نافعاً لهم ،بل قد يكون ضارّاً ،قال- تعالى -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }الماتئدة :101
وهذه المسألة : مسألة غايات أفعال الله ، ونهاية حكمته مسألةٌ عظيمة ،لعلها أجل المسائل الإلهية))منهاج السنه النبوية3\39
قال ابن قتيبة -رحمه الله -: ((وعدل القول في القدر أن تعلم أن الله عدل ، لايجوز :كيف خلق؟ وكيف قدر؟ وكيف أعطى ؟ وكيف منع ؟ وأنه لا يخرج من قدرته شيء ، ولار يكون في ملكوته من السماوات والارض إلا ما اراد ،وأنه لا دين لأحد عليه ، ولاحق لأحد قبله ،فإن أعطى فبفضل ، وأن منع فبعدل ))
(اقتطفتها لكم من كتاب الايمان بالقضاء والقدرص105الى109
تقديم سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة سابقا رحمة الله
تأليف محمد بن ابراهيم الحمد)[/align]