العودة   منتدى بريدة > منتدى المجلس العام > المجــلس

الملاحظات

المجــلس النقاش العام والقضايا الإجتماعية

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 07-09-06, 06:22 pm   رقم المشاركة : 1
كرمع
كاتـب قدير
 
الصورة الرمزية كرمع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كرمع غير متواجد حالياً
يوميات وحيد أبو الكلام ..


[align=center]( 1 )

القدوم






منارات الحرم الشاهقة .. والكعبة السمراء .. والطائفون بلباسهم الأبيض الجميل .. وإمام الحرم ذو البحة المميزة وهو يدعو بصوت مرتفع .. والحمام الذي يحلق هنا وهناك بكل أمان .. وديار المهاجرين والأنصار .. وخطى الصحابة .. والحرم المدني وهو يحتضن الجسد الشريف ..

والروضة الخضراء ..



آه .. ماأطيبك ياأرض السعودية ؟!



ضربات قلبي تزداد والطائرة تميل نحو المدرج ..



البيوت المتناثرة في الأرض مثل جدول الحصص الأسبوعي صارت تقترب شيئا فشيئا ..



وبينما الملاح يلقي تحية التهنئة بالوصول بلغة عربية لايفهمها أكثر المسافرين على متن هذه الرحلة كان الركاب يتحفزون من مقاعدهم ويعلقون حقائبهم على أكتافهم ..



وضعت قدمي ولأول مرة في أرض الحرمين الشريفين ..



كأن شعاعا يضيء من كل اتجاه .. أو هكذا خيل إلي ..



أمي وأبي وأخوتي كانوا قد حملوني كثيرا من السلام لهذه البقاع .. وودعوني وهم يبكون شوقا وعجزا ..



عندما كنت صغيرا .. صغيرا جدا .. رأيت موقفا لم أفهمه جيدا .. ولكنه ظل يرن في أذني بجرس تبعثه علا مة استفهام معلقة ..
في قريتنا .. إحدى القرى القريبة من كيرلا .. قام الأهل بصنع حفلة استقبال كبيرة لجارنا وزوجته .. شيخ ذو سحنة سمراء .. معكوف الظهر .. وعلى ذقنه شعر أبيض تزينه ابتسامة واثقة .. بينما كان رأسه محلوقا بالكامل !! .. وزوجته العجوز وهي تلف شالا أبيضا أنيقا على وجهها البرئ الطاهر .. بينما تتدلى خصلات من شعرها الأحمر على كتفها ..



كانوا يقولون إنهما قدما من مكة حجاجا .. ومن زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ..



كان اسم مكة في رأسي مرتبطا بالتاريخ وبالقصص التي يقصها علينا المعلمون.. لم أكن أدري بأنها عامرة حتى هذه الساعة ..

حتى أنني كنت أظن هذه الحفلة فرحا بحياة هذين العجوزين بعد عودتهما من التاريخ !!



- شوف صديق .. أنت في روه وين ؟ .. قيصومة .. كي..سو..مة ..

كان موضف الاستقدام في الرياض يرددها علي .. وهو يشير إلي باصبعه السبابة .. وينظر إلي نظرات تحذير أخير .. ثم يسألني ليعلم مدى حفظي لها :



- وين روه؟

فأقول بصعوبة ممزوجة بوجل وأنا أهز رأسي متفاعلا :

- كيسوم.. كيسوم ..

- كيييسووووومه ..

- كااايسوما .. كاااااااااايسوما ..

- كي.. سوومه .. مه ..

ثم نطقتها بعد عناء .. كي سو..مه .. كيسومه ..



عندما نطقتها لم يشجعني أو يبتسم لحسن نطقي لها وإنما التفت إلى الجالس بجانبي وراح يقول له :



أنت في روه أرطاوية .. أرتاوية .. أر .. تا .. وية ..



وصاحبي يردد وراءه بينما كنت أردد في السر قائلا : كيسومة .. كيسومة ..



وعندما انتهى من صاحبي التفت إلي فجأة وقال لي وهو يشير بسبابته :



أنت وين روه ؟



فغامت الدنيا في عيني .. وتشابكت الحروف من الخوف فقلت وأنا أرفع رأسي واثقا :



- كيسومية ..



وصاح في وجهي وهو يهز يده والزبد يتطاير من فمه قائلا : كيسومة .. كيسومة ..



انتهيت من بعض اجراءات مكتب الاستقدام ..



وانطلقت إلى الرحلة المتجهة إلى القيصومة ..



هناك حيث الكفيل ..

[/align]







.







قديم 07-09-06, 06:53 pm   رقم المشاركة : 2
نقد التعليم
عضو مميز
 
الصورة الرمزية نقد التعليم





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : نقد التعليم غير متواجد حالياً

[align=center]

أول الأمر ( كي..سو..مة )
وآخرتها ( ثلاثة عمال هنود يسرقون 700 ألف ريال من كفيلهم.. ويسافرون إلى بلدهم بدون جوازات )


*


*

لاتبطي بــ التتمة ياكرمع ( شكلي تحمست وأبشوف نهاية هالطرمبة )


[/align]







قديم 07-09-06, 10:27 pm   رقم المشاركة : 3
لمبة شارع
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية لمبة شارع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : لمبة شارع غير متواجد حالياً

ولأن وحيد ابو الكلام لم يحكي لنا غير اجراءات دخوله فإن في جعبته الكثير قبل وصوله الى الحجاز الذي تمنى ان يزوره فأعطى الله قلبه ماتمنى...وليتني استمتع الى ابوالكلام وهو يروي انطباعاته وعوالجه بلسان كرمع ...هذا اللسان الذي يقف دائما في الاماكن التي لم يقترب قاموس كلماتنا منها ابدا....





لماذا يا نقد تدخلين قاعة الاوركسترا


اذهبي الى غير هذا المكان تجدين قاعة المزيكا الشعبية والرقص الشرقي تفرجي كما يحلو لك وبإمكانك التهريج بعبارات سيضيفونها مباشرة الى كلمات الاغنية الدائرة ...

أما هنا عند كرمع فليتك تتحلين بقدرة على الانصات ليست من طبعك .....

لاتردي علي يانقد حتى لا نحدث جلبة في قاعة اهم مايجب فيها انصات الجمهور







التوقيع

لا إله إلا الله

قديم 07-09-06, 11:11 pm   رقم المشاركة : 4
كرمع
كاتـب قدير
 
الصورة الرمزية كرمع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كرمع غير متواجد حالياً

[align=center]( 2 )

جسر



أشياء كثيرة كانت غريبة بالنسبة لي ..


السيارات الكثيرة جدا .. بعضها لايوجد داخلها سوى السائق فقط !

.. الذين يسيرون على أقدامهم في الطرقات قليلون جدا .. الدراجات العادية والنارية أيضا ..

لم أكن متعودا على هذه الصور ..

الجوالبارد .. الأرض القاحلة .. الماء ..

سمعت أن السعودية ليس فيها فيضانات !

ومطرها شحيح .. وخضرتها قليلة ..



تفاجأت بالطرق الفسيحة .. وبتباعد مابين البيوت .. وبالقصور الكثيرة هنا وهناك .. بالسيارات الجديدة ..

تفاجأت بأخلاق الذين تعاملوا معي بأسلوب لم نتعلمه في المدرسة ولا في البيت ..



في المقعد الخلفي للسيارة النيسان كنت سابحا في خيال عريض حينما هصرني صوت الكفيل من مقعد السائق قائلا :



- افتح ..



كان يشير إلى النافذة بجانبي ..



التفتُّ إلى النافذة .. ولكني لم أفهم ماذا يريد تحديدا !!.. هل يريدني أن أفتح النافذة ؟



الهواء بارد جدا .. والشتاء لايسمح لأحد بالمزاح معه في مثل هذه الصورة !!



أنا لاأدري لم جعلني أركب في المقعد الخلفي بينما لم يكن في المقعد الأمامي أحد !!

ثم لم أفهم السر في إلحاحه علي بأن أفتح النافذة ..



بسبب ذلك كله لم يدر بخلدي أنه يريد مني فتحها .. فالتفت إليه وأنا أهز رأسي وأبتسم وأقول : مافي ..



صاح في وجهي .. وكلمات ة تتفجر بين شفتيه .. كان يشير إلى النافذة بيده وهو يخفضها إلى أسفل ثم يقبض يده إلى أنفه كمن يتأذى من رائحة كريهة !!



فتحتُ النافذة .. وواصل السير بعدما كور شماغه على وجهه و هو يتأفف بكلمات لاأفهمها ..



كان أسمر السحنة .. بدينا جدا .. له شارب غليظ وليس له لحية .. يهتم بشكله ولكنه ليس أنيقا .. عندما استقبلني في المطار كان يرتدي نظارة سوداء .. ناتئ الصدر .. يمشي بكل كبرياء .. لم يخلع نظارته إلا بعد وصولنا للسكن منتصف العشاء !



نعم .. كنت قد أكلت طعاما في الصباح مطبوخا بالثوم .. ودهنت شعري بزيت الزيتون .. ولكن رائحته أيضا كانت عفنة جدا !

فمنذ ركوبي معه وأنا أشم رائحة غنم وملابس داخلية قذرة وثياب متشربة بالدخان ..



وضعت حقيبتي في غرفة سكنية صغيرة ملتصقة بحوش مهجور.. فيها أغراض مبعثرة ..





وفهمت من كلامه أنني سأنام هنا حتى صباح الغد لأنطلق إلى المكان الذي سأعمل فيه ..



كانت الغرفة سكنا لاثنين من العمال .. أحدهما من مومباي والآخر من بنجلاديش ..



فيها سريران وملابس لهما معلقة على مسامير في الجدار الاسمنتي الناضح بروائح الطعام المختلفة ..



الفجوة التي كانت بين حياتي المعتادة وحياتي في هذا المستقبل المجهول جعلتني محتاجا لأي قشة أتشبث بها ..



ولذلك فقد تعرفت عليهما في تلك الليلة .. وتحدثت معهما كثيرا .. وارتحت إليهما أكثر .. واطمأنت نفسي شيئا قليلا ..



فهمت منهما أن هذا الكفيل سيذهب بي غدا إلى منطقة نائية وبعيدة في الصحراء .. وأنني سأسكن وحيدا في خيمة

في العراء .. وأن عاملا قبلي هرب من هذا العمل بعد أن ذاق مرارات لاتوصف من البعد والشقاء وقسوة الكفيل ..



كنت متعبا من السفر ..



فنمت في تلك الغرفة نومة هانئة بانتظار الصباح ..



وبانتظار العالم المجهول أيضا ..
[/align]








.







قديم 07-09-06, 11:24 pm   رقم المشاركة : 5
كرمع
كاتـب قدير
 
الصورة الرمزية كرمع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كرمع غير متواجد حالياً

[align=center]نقد التعليم

شكرا لك

ولكني جئت هنا لأرسم الوجه الآخر

مع فائق التقدير


لمبة شارع

مرحبا بك أيها الصديق ..

مما يشجعني على التواجد أنني سأصافحك في كل مرة

دمت لي أخا عزيزا غاليا

واسلم لمحبك / كرمع[/align]







قديم 08-09-06, 12:24 am   رقم المشاركة : 6
كشكول
عضو جديد





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كشكول غير متواجد حالياً

جزالله الف خير اخي كرمع ونرجو من الله دوام التوفيق







قديم 08-09-06, 05:41 am   رقم المشاركة : 7
سيدة الحور
عضو ذهبي






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : سيدة الحور غير متواجد حالياً

ماشاء الله ماشاء الله طرح رائع ومشوق نحن بإنتظار المعاناة

دمت مبدعا أخي كرمع


واصل ونحن معك نواصل







التوقيع

[align=center]كل الشكر والدعاء لإختي إماراتيه والنعم::

[flash=http://www.buraydh.com/forum/upload/7o0orr.swf]WIDTH=400 HEIGHT=300[/flash]
[/align]
[align=center][/align]

قديم 08-09-06, 06:03 am   رقم المشاركة : 8
الكبري
عضو قدير






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الكبري غير متواجد حالياً

مع بزوغ شمس الصبح ،،، من اليوم العضيم ،،،

يوم الصائمين ،، يوم الخميس ،،، كنت اتسائل كرمع أطال الغياب ،،،

ومع فجر الجمعة ،،، أجد كرمع يطير بنا الى ابو الكلام ،،،

وكان في الخلد أستحثه برسالة ونصها ،،، أطلت الغياب ،،،

أبو الكلام كان يقول سأقبل أيادي أبناء الصحابة ،،، ان أبناء الصحابة في مكة ،،،

سأنتظر كرمع ،،، هنا في رواقه ،،،

سأنتظر الكلمة الطيبة ،،،

سأنتظر المشاعر الإنسانية هنا ،،،

بتسطير حروف الكريم كرمع ،،،

كرمع ،،، سلام عليك يوم غبت ،،، وسلام عليك يوم تعود ،،،

تحياتي







التوقيع

[align=center]
تحت الردم
[/align]

قديم 08-09-06, 06:48 am   رقم المشاركة : 9
الـمـهـاجـر
عضو قدير






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الـمـهـاجـر غير متواجد حالياً

يوميات جميلة .... سأكون من المتابعين إن شاء الله .







التوقيع

قديم 08-09-06, 12:30 pm   رقم المشاركة : 10
نقد التعليم
عضو مميز
 
الصورة الرمزية نقد التعليم





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : نقد التعليم غير متواجد حالياً

[align=center]

اقتباس:
 المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمبة شارع 
   لماذا يا نقد تدخلين قاعة الاوركسترا

جلبني لها صوت ( زغاريدك ) عندما كنت تتهيأ لبدء ( زفة ) وحيد أبو الكلام !


اقتباس:
 المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمبة شارع 
   اذهبي الى غير هذا المكان تجدين قاعة المزيكا الشعبية والرقص الشرقي تفرجي كما يحلو لك وبإمكانك التهريج بعبارات سيضيفونها مباشرة الى كلمات الاغنية الدائرة ...

مابقى إلا تقول ( يانقد ) روحي هناك ( حتى ينقطونك ) !!

ياهذا يبدو أنك احتسيت أقداح ( الحماقة ) المعفـّرة بثلج ( الإحتفاء ) بكرمع ، حتى ( ثملت ) فــ غويت !

تباً لك وأنت تحوّل ( بنزقك ) ايقاعات ( صاحبك ) والحانه الهامسة ، وسيمفونياته المبدعة إلى هزات موسيقية ( نشاز ) أشبه بـــ مووايل ( الربابة ) ومزامير ( المرتزقة المتجولين ) الذين يبثون ( حدائهم ) حيث اقامتك - على الرصيف - لــ ( تسرية ) الغرباء !


اقتباس:
 المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمبة شارع 
   أما هنا عند كرمع فليتك تتحلين بقدرة على الانصات ليست من طبعك .....

لاتردي علي يانقد حتى لا نحدث جلبة في قاعة اهم مايجب فيها انصات الجمهور

ومن أنت لــ تظن أنك بلغت الأمر والنهي لـــ ( نقد ) طولاً ؟!

فليست ( نقد ) من تكون ( قرباناً ) لتوجه لها ( الطعنات ) بــ ( وتر ) قيثارة ( التعالي ) وشوفة النفس والتميلح ( المـُنتخب ) !
لأني ساعتها سأحول الموضوع إلى ( رقصات زار صاخبة ) تلعن بها ( خطوتك الواجفة ) ألف مرة !

سلاماً يالمبة .. وماجنت نقد !!


كاتب الموضوع / لتغدق علينا ( عظيم ) كرمك و ( جلال ) صبرك ، ولتمارس مهارة ( قفز الردود ) إذا مررت ( بسيرة ) ردي هذا !





[/align]






قديم 08-09-06, 12:36 pm   رقم المشاركة : 11
أ هـ م : 001
عضو ذهبي






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : أ هـ م : 001 غير متواجد حالياً

ماشاء الله طرح رائع

وألف شكر على مرورك







التوقيع

[align=center][/align][align=center]
[/align]

قديم 08-09-06, 04:41 pm   رقم المشاركة : 12
كرمع
كاتـب قدير
 
الصورة الرمزية كرمع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كرمع غير متواجد حالياً

[align=center]( 3 )

الصحراء[/align]




[align=center]في الصباح ..

ناولني الكفيل كيسا فيه ثوب أسود وكوفية وشماغ ومعطف رمادي مهترئ .. وملابس داخلية بيضاء ..

قطعنا مسافة ساعة كاملة على الاسفلت الممتد جنوبا ثم انحدرنا يمينا ودخلنا في الصحراء ..

السيارة هي الأخرى تظهر حنقها في كل مرة على الصخور العنيدة والتعرجات الناتئة ..

ساعة أخرى قطعناها في الصحراء كانت أشد علي من السفر الطويل في الطرق المعبدة ..

والعالم المجهول الذي ينتظرني أيضا كان هو الآخر يخلق في صدري كثيرا من الأسى ..

ياااالله .. لطفك ياكريم ..

وظهرت مني تنهيدة بلا شعور ..

فرمقني الكفيل وقد ظللنا صامتين طوال الطريق ثم عاد إلى السير وهو يحدق في الأفق البعيد ..

وبعد لأي وصلنا الخيمة .. في تل صغير .. يشرف على واد ممتد الأطراف .. فيه أشجار صغيرة شهباء مترامية .. ورمل أصفر بعيد ..

يظهر عليها أنها خيمة قديمة .. أو مستعملة .. وإلى جوارها كان هناك شبك مملوء بالغنم ذات اللون الأسود .. وناقلة ماء عجوز راقدة على التلة بكل ملل ..

حينما اقتربنا من الخيمة نبحنا كلب الحراسة الأصفر من طرف التلة .. ثم راح يدور حول السيارة وهو يبصبص بذيله بينما بدأت الأغنام بالنهوض وهي تثغي ثغاء السائل المسكين ..

- أبو الكلام ..

انطلقت نحوه داخل الخيمة ..

- جيب أغراض هنا ..

أخبرني أن هذا هو السكن الذي سأنام فيه على الدوام ..

ثم انطلقنا وقام بملء أحواض الماء أمامي ..

ثم أخرج الأغنام من الشبك ..

وفي المساء شرح لي كيف أسوق الأغنام إلى زريبتها .. وأعطاني كشافا ضوئيا يعمل بالبطارية الصغيرة .. وأمرني أن أحمل صندوقا كرتونيا من السيارة إلى الخيمة .. وذكر لي أنه سيأتي قريبا .. ثم أدار محرك السيارة ومضى ..

كان الليل أكبر من هذه الصحراء الشاسعة .. وكان البرد يحتويهما جميعا .. وأنا واقف بين هذه الوجوه الثلاثة ..

رتبت الخيمة على عجل .. وقد كان الكشاف بالكاد يفي بما أريد ..

كان في الصندوق بعض أكياس خبز .. وبقايا من بصل وطماطم .. وكبريتان عليهما جواد يمتطي حصانا ..


العراء .. الليل .. الوحدة .. الشتاء .. والخيمة البالية !

أين ذهب خيال أمي وأبي في نوع السكن الذي سأنزل فيه ؟

هل جربت أن تنام وحيدا في صحراء لا تعرفها ؟ ... وحيدا ؟

لبست الثياب التي في الكيس وتمنيت لو كان معي مرآة لأشاهد صورتي باللباس السعودي !

الهواء الذي يتسرب من شقوق متفرقة ظل يطارد أطرافي ..

ووشوشة أسمعها خارج الخيمة ولاأعرف كنهها ! .. أو أن ذلك يخيل إلي ؟

كنت أرفع رأسي في الظلام وأنصت كأشد مايكون الإنصات .. فأسمع وشوشة من كل شيء ولكني لاأسمع شيئا !

سمعت نباح كلب بعيد .. بعيد جدا .. يأتي به الهواء تارة ويصرفه تارات أخرى ..

دائما ماتكون الليلة الأولى في كل حياة جديدة طويلة وغامضة ..

كنت مستبعدا أن أنام مع هذا الشعور ..

وقد لازمني هذا الشعور حتى بعدما أفقت على سماء زرقاء كنت أشاهدها من أحد الشقوق !!

وصوت أذان بعيد .. فرحت به فرحا شديدا ..

توضأت وأذنت وصليت الصبح ..

الصحراء تصبح جميلة جدا والمؤذن يصدح على ربواتها ..







انطلقت مع الأغنام في الصباح .. وتعرفت على الكلب .. وتعرف علي .. ودرنا سويا في الأماكن القريبة .. ولكنني لم أشاهد أحدا !

الليل يأتي بالأصوات أكثر من النهار ..

لابأس ..

هناك مخلوقان عظيمان تبدوا عليهما القسوة ولكنهما أليفان جدا حينما يقتحم الإنسان أسرارهما : الصحراء والبحر

لقد وجدت في الصحراء أنسا .. وعشت مع الأغنام عيشة لاتوصف .. وألفت المكان .. وودت لو كنت أستطيع الاتصال بأهلي أو أن أوصل ذلك إليهم برسالة ..

صحيح أنهم كانوا يعدونني لأن أكون في مكان أفضل وعمل آخر إلا أنني راض عن هذا العمل الذي أقوم به الآن ..

يعكر صفو هذه الحياة زيارة الكفيل في كل مرة .. وأوامره العنترية الجوفاء .. وتسلطه الكبريائي ..

إلا أن زيارته كانت متقطعة بحيث ربما مكث أكثر من أسبوع في بعض الأحيان ..

في الأيام الأولى جاءني في الخيمة رجل مهيب الطلعة .. له لحية بيضاء وقورة .. ووجه واسع أبيض قلبت لونه الشمس إلى السمرة .. ومعه عامل هندي من كيرلا أيضا

الله عليك ياكيرلا .. الناس لايعرفون أنك كلمة قلبتها ألسنة الزمن من ( خير الله )

عرفت أن هذا الشيخ له قطيع غنم خلف التلة في آخر الوادي .. وأن (أكتر) يرعى الغنم لديه .. سعدت به .. وتحدثت معه كثيرا بينما كان الشيخ يتفقد الأغنام .. قال لي إن هذا الشيخ من أقارب كفيلي وأنه طيب جدا ..

عرفت الآن سر الأذان في تلك الليلة .. إنه صوت أكتر ..

ماأجمل هذا النوع من الصداقة في مثل هذه الظروف ..

وفي الصحراء صداقات أيضا تغوص في دقائق حد العمق ثم تتلاشى وكأنها طيف حلم ..

هناك سيارة بيضاء متجهة نحو الخيمة .. يتطاير غبارها في الأفق .. يبدو أنها فارهة ..

الشمس تزول بعد أن أخذت وضعا رأسيا في السماء ..

نزل منها خمسة رجال سعوديين .. لهم لحى سوداء بعضها خفيف وبعضها كثيف .. أحدهم كان يرتدي لباسا رياضيا .. صافحوني جميعا !

وابتسموا لي .. وسألوني عن اسمي فقلت لهم : أبوالكلام

كانو يريدون تعبئة ماء من الناقلة وشراء خروف صغير

تبادلت معهم الحديث بصعوبة .. ولكنني كنت مطمئنا للحديث معهم .. كانوا يبتسمون معي .. ويلاطفونني .. ويبدأون حديثهم معي باسمي قائلين : شوف ياأبوالكلام ..

ملأنا أوانيهم بالماء وأخبرتهم أن الكفيل لا يسمح لي بالبيع من الأغنام .. وأشرت إليهم بالذهاب إلى قطيع أغنام كفيل أكتر .. سألوني عن مكانه .. وشرحت لهم متحمسا ..

تحدثوا فيما بينهم قليلا .. ثم التفت إلي أحدهم وقال : أبو الكلام .. أنت مافيه مشكل روه معي لأكتر ؟

قلت له وأنا في كامل سعادتي : مافيه مشكل ..

ركبت معهم إلى جانب الراكب في المقعد الأمامي ! .. كانوا في الطريق يسألونني عن المطر .. متى نزل .. ويسألونني عن أسماء أماكن لاأعرفها حتى كنت من حبي لهم ومحاولة مساعدتهم تحمست في توصيف أحد الأماكن بحسب فهمي للكلمة ولكنني تفاجأت ببرودتهم في تقبل الوصف مما جعلني أكتشف أن وصفي كان مدبرا جدا !


اشتروا خروفا من أكتر .. وربطته لهم .. ثم عدنا إلى الخيمة .. وقبل أن يذهبوا توضأوا من الماء وطلب مني أحدهم أن أؤذن .. فأذنت وأنا أحاول إبداء أجمل مايكون في حنجرتي .. وصلوا الظهر والعصر ..

ركبوا في السيارة وأنا واقف أودعهم .. تهامسوا قليلا ..

ثم نزل أحدهم وفتح الباب الخلفي وجعل يجهز شيئا ما .. وناداني : أبوالكلام .. جئته مسرعا فناولني كرتونا فيه أطعمة متنوعة .. وكيسا فيه لحاف نظيف .. ونفحني من جيبه ورقة نقدية ..

ثم ودعوني وانطلقوا ..

لقد أحببتهم من قلبي ..

كما كرهت أولئك الشباب الذين جاءوا مرة على سيارة نيسان شبيهة بسيارة الكفيل وقد ركب بعضهم في صندوقها وهم يسيرون بهيستيرية قبيحة .. وحينما حاذوني أنا وقطيع الأغنام عطف السائق مقودها نحو القطيع وأسرع وهو يصدر طنينا مزعجا من بوق سيارته حتى تبعثرت الأغنام وانطلقت في كل اتجاه ..

ثم ولوا وهم يضحكون !


لقد كنت في تلك الصحراء بعيدا عن الشر ..

ولكن بعض الناس ينقل شره معه حتى إلى الصحراء !

كانت تلك الصور تتكرر في الشتاء فقط .. وتزداد حينما يسقط المطر وينبت الربيع


مكثت في عملي هذا أشهرا طويلة ..


حتى جاءت ليلة أن بدأ الكلب ينبح نباحا متزايدا بشكل يوحي بخطر قريب ..[/align]







.







قديم 08-09-06, 04:45 pm   رقم المشاركة : 13
مظلومه
Registered User





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : مظلومه غير متواجد حالياً

كرمع كاتب عظيم ومواضيعه مفيده تشكر عليها ياكرمع







قديم 08-09-06, 05:58 pm   رقم المشاركة : 14
كرمع
كاتـب قدير
 
الصورة الرمزية كرمع





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : كرمع غير متواجد حالياً

[align=center]كشكول

آمين
وجزاك الله خيرا أخي الكريم


سيدة الحور

أشكرك على حسن المتابعة
وأسأل الله أن أكون عند حسن الظن
دمت في خير حال


الكبري

مرحبا بك ياصديقي الكريم
اهتمامك محل تقديري وحفاوتي
وتأكد بأن اسمك محفور في ذاكرتي
أدام الله لي ولك المودة
وسلام عليك يوم ترد ويوم تقرأ لكرمع حرفا
والله يرعاك



الـمـهـاجـر

حياك الله أخي المشرف الكريم
وأنا مسرور أن تنفتح عيناك على حروف كرمع
رعاك الله أخا كريما



أ هـ م : 001

حياك الله أخي الكريم
والشكر موصول لك
ولوقفتك الكريمة هنا
ودمت موفقا


مظلومة

أشكرك على هذه الحفاوة
وأسأل الله أن أكون عند حسن الظن
والله يرعاك[/align]







قديم 08-09-06, 08:21 pm   رقم المشاركة : 15
الكبري
عضو قدير






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : الكبري غير متواجد حالياً

أكتب في اليوم الواحد مالله به عليم من الردود ،،،

لكني ياصديقي كرمع ،،،

عندما اكتب لك رداَ يرتجف الكيبورد قبل أن أرتجف انا ،،

سأكون في حظرة العضيم كرمع ،،،

بين يديك أقول رأيت أبو الكلام سمعت صوت الليل مع ابو الكلام ،،، سمعت آذان أبو الكلام ،،،

فرحت مع أبو الكلام بالطعام ،،،

بإختاصار أنا أسير بين يديك ،،، أسير لما تخطه يديك ،،،

هربت العبارات اللأنيقة ،،، وبقي لي الحقيقة ،،،

كرمع العزيز رأيت أبو الكلام الإنسان ،،،

كرمع سمعت صوت الكلب ينبح نباحاَ مدوياَ كصفارة انذار ،،،

وهنا بقيت انتظر كرمع ليكمل لي الحكاية الى النهاية ،،،،

تحياتي







التوقيع

[align=center]
تحت الردم
[/align]

موضوع مغلق
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 12:17 pm.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة