السلام عليكم ورحمة الله
( خاطرة )
كانت ارض خضراء...مزهرة جميلة ...يانعة فارعة...اسوارها عالية...اشجارها باسقة...وانهارها جارية...سماؤها زرقاء....حقولها غناء...ثمارها ناضجة....متنوعة لذيذة....صباحها صافي....ومساؤها دافيء....شروقها جميل....وغروبها حنين....الشمس فيها ضاحكة.....والقمر فيها يهيم...
ارض مترامية الاطراف.....لا يرى اخرها من اولها....خيراتها غير ممنوعة....وغير مقطوعة....مجهولة الحدود.....تراها من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب......ومن اقصى الشرق الى اقصى الغرب....
عندما تقع عينيك عليها ....يجود وجهك بالشر.....وتصفو ملامحك من كل معكر للصفو....وخاصة عندما يطوف في ارجائها ذلك النسيم العطر الهاديء....المداعب لاغصان اشجارها....واوراق زهورها ....ولمياه انهارها وجداولها وشلالاتها....وتطرب اذنك ...عندما تشدو عصافيرها باحلى النغمات....فتتمايل على لحنها اغصان العشب الاخضر الذي غطى ارضها بغطاء غني كثيف....حريري الملمس.....بديع المنظر...
فاذا ارتفعت عن مستوى سطح هذه الارض ....تجد انك امام لوحة خلابة.....من صنع لدن حكيم خبير....وكانك ترى مفرش وقد ازدان بلونه الاخضر ....وقد رصع عليه بجواهر لامعة ...تلك هي الورود المتفتحة المختلفة الالوان والاشكال...وبخطوط من ذهب وفضة ...خطت هذه الاودية والانهار طريقها هنا وهناك....وبنوع اخر من القماش المزركش قد ازدانت به تلك العصافير الغناء...
فهي بحق تحفة فنية رائعة.....صنع مالك الملك والملكوت وحده.....
وبقيت على هذه الحال سنين معدودة.....ولكن....
دوام الحال ...من المحال...
فقد ابصرت هذه الارض من بعيد رياح آتية من اقصى الشمال....لالا....بل هي من الغرب....ايا ما كان ....قد تكون رياح شمالية غربية.....
هي رياح؟؟؟
نعم ...هي رياح....
ولكنها مع طيب قلب هذه الارض ....وسلامة نيتها.....ونظرتها المشرقة للحياة.....وثقتها العمياء في كل من حولها.....ظنتها نسائم عليلة....
ولكن احيانا تكون الصورة خادعة....كاذبة.....وهم وسراب.....وقد تكون في ظاهرها وكانك تنظر الى صورة من صور نعيم الجنة.....ولكنك في الحقيقة تنظر الى صورة من صور جهنم ...وما يوصل اليها....
وهذا ما حصل...
فاذا بتلك النسائم ....ماهي الا رياح عاتية....سوداء مظلمة....انتفضت لها الارض.....ولكن ما من مفر ....
العصافير اختبات في اعشاشها ....وكل شيء تلون بلون رمادي كئيب...
السماء اصبحت رعدية ممطرة ....وقد غطتها سحب سوداء داكنة ....
واتت الرياح على كل شيء....فلم تبقي ولا تذر....
اتت على اخضر طري...وعلى كل احمر وافر ووردي وابيض من الازهار....وعلى اعشاش الطيور...واصبحت مياه الانهار تتحرك بعصبية وجنون....فترتطم ذرات مياهها في الصخور والاحجار فتتألم.....
وخبى ضياء الشمس......وذهب نور القمر....
وبكت...!!
نعم بكت...
بكت الارض بكل ما يعتصر بداخلها من آلام مبرحة...بكت بصوت مكتوم دفين....معلنة عن شدة ما تعاني منه...
واحست بغصة في حلقها ....واخذت تقاتل تلك الصرخة....ومنعتها من الخروج......واطلاق الحرية لها....
بل سجنتها بداخلها...كي تتعذب وحدها....حتى تجد لها حلا ومخرجا من تلك العاصفة الهوجاء...
وتقبلت الوضع بصورة سلبية تماما....
ولم تحاول ان تحارب....
لم تحاول ان تطلب المساعدة....
لم تحاول ان تواجه...
لم تحاول مجرد التفكير لما حدث لها....
لم تحاول ان تتمادى على تلك الاحداث ....كما تمادت هي عليها....
لم تحاول حتى التفاوض....بل...
هدووووووووء تام....
سكوت مميت...و...
توقف الزمن ....
وماتت عقارب الساعة قبل ان تتحرك....
وجف الدمع بمقلتيها....
واصبح الاحساس بالالم معتادا .....
وذهب كل شيء...
الارض لم تعد هي الارض....
العرض العادي
