بقلم: عبد الرحمن صالح العشماوي
مَنْ يتابع مواقف الدول العربية تجاه أحداث المنطقة يدرك أن هنالك عقدة نفسية شديدة الإحكام في نفوس من لديهم أزمَّة المسؤولية في عالمنا العربي، إنها (عقدة الهزيمة) التي أصبحت عقول معظم العرب في زماننا مبرمجةً عليها برمجةً يصعب الخلاص منها.
إنَّ تصريحات كثير من المسؤولين العرب تؤكد هذه البرمجة السلبية التي أحكمت قبضتها على عقولهم، فما عادوا يصدِّقون أن دولة الكيان الصهيوني يمكن أن تُهزَم، وما عادوا يستوعبون أن وقفةً قوية منهم يمكن أنْ تصنع شيئاً، وما عادوا يستطيعون أن يتصوَّروا - من باب التصوُّر فقط - أنهم يمكن أن ينتصروا، أو أن يجعلوا لهم كلمةً مسموعةً في المحافل الدولية.
إنَّ برمجة عقول أصحاب المسؤوليات السياسية والعسكرية والاقتصادية في عالمنا العربي على (الهزيمة، والضعف، وعدم القدرة) من جانب، وعلى (قوة الأعداء، وسيطرتهم، وهيمنتهم) من جانب آخر، قد أوصلت أمتنا إلى هذه الدرجة المتدنية من الهوان والضعف، هذه الدرجة التي جعلت معظم تصريحاتهم تجاه القتل الهمجي المتوحش الغاشم الظالم في لبنان وفلسطين تصريحات ضعيفة، تحاول أن تخرج من إطار برمجة الهزيمة فلا تستطيع.
لماذا هذه الحالة المؤسفة؟ وإلى متى تظل هذه البرمجة السلبية مسيطرة على العقول ؟
الجواب واضح عند مَن يعرف معنى سنن الله الكونية، وهو أشدَّ وضوحاً عند مَن يعرف معنى التعلق بالله، والعودة إلى دينه عودة صحيحة واضحة كاملة، الجواب أن هذه الحالة المؤسفة ستبقى إلى أن يعرف العربي أن الله قد أقام عليه الحجة بنزول القرآن الكريم بلغته، وباختيار أفضل الرسل والأنبياء وخاتمهم من أرومته ، وأن ذلك يعني - بكل وضوح - أن طريق النجاة والنجاح، والعزة والكرامة والتخلص من برمجة الهزيمة إنما هو بالإسلام وتطبيق منهجه، وعدم الأخذ ببعضه وترك بعضه على حسب أهواء النفوس ومصالح البشر.
لقد أدرك الأعداء بجميع توجهاتهم وأديانهم ومذاهبهم أن هزيمة العرب إنما تتحقق بالصورة التي تجري الآن، بإبعادهم عن مصدر عزتهم وقوتهم ونصرهم - الإسلام ومنهج القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) والجهاد الحق الواضح هو ذروة سنام الإسلام، والعرب أصبحت أمة رسالة منذ أن منَّ الله عليهم بالإسلام ونبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام - وأمة الرسالة لا تستغني عن الجهاد، لأن أعداء الرسالة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الحق ما داموا هم أهل الباطل، هنا مكمن الداء في كيان أمتنا العربية المسلمة، وفي كيان الأمة الإسلامية بكاملها.
لقد نقل ذات يوم عن رجل عربي يقف موقف المسؤولية أنه قال في حديث خاص لأحد المفكرين: (نحن ضعاف أمام أمريكا وأوروبا أكاد أجزم انهم يعرفون ما يدور بيني وبينك الآن)، لقد صعق ذلك المفكر من هذه الكلمة التي تدل على أن عقل ذلك الرجل قد أصبح - فعلاً - مبرمجاً على هزيمة داخلية لا فكاك منها، ولا شك أن من يحمل هذا التصور السلبي القاتل لن يستطع أن يرفع رأسه أمام الأعداء أبداً، إلا إذا رفع رأسه أمام خوفه وضعفه وهزيمته الداخلية وسلبيته هو.
هل ينفع أولئك المنهزمين من العرب أن يدخلوا دورات برمجة عصبية مكثفة تخلصهم من هذا الشعور السلبي؟ ربما.
****
إشارة:
ما يهود الغدر إلا أنفس
غُمست في حقدها المستعر
_________________________________
زاوية دفق قلم (الأربعاء 2 اغسطس 2006 )