تعرف على أبسط مؤشرات أداء السهم(*)
تتعرض أي سوق مالية إلى حالة من التراجع في أي وقت، بل في أي لحظة دونما أي تنويه أو تحذير من أي جهة، وهذا أمر طبيعي حيث إنه من غير الممكن أن تستمر الأسعار في الارتفاع إلى الأبد، سواء كان ذلك في الأسهم، في المعادن، في السندات، أو في أي سلعة مهما كانت، ويكمن جوهر المشكلة في أن الوعي يكاد يكون معدوما بين الغالبية العظمى من المتعاملين في سوق الأسهم خاصة، وهو ما يهمنا في هذه العجالة، سواء كان ذلك في السعودية بصفة خاصة، على مستوى دول الخليج، أو في الوطن العربي بشكل عام، مع أن نسب هذا الوعي قد تكون متفاوتة، ما يجعل المستثمرين في دول الخليج، وعلى المستوى الوطن العربي غير قادرين على استيعاب مخاطر الاستثمار في مثل هذا الوعاء الاستثماري الخطير أحيانا، خاصة لمن لا يدرك التعامل مع مثل هذه السوق بمنهجية سليمة، فالكل يريد الربح فقط وليس لديه استعداد لقبول أي خسارة، حتى ولو كانت نسبة هذه الخسارة هامشية، ناهيك عن التكتلات وسياسة البيع الجماعي في حالة ارتداد السوق، بناء على الشائعات عبر رسائل الجوال، والتناصح و التوصيات غير الجوهرية، أي التي لا تستند إلى حقائق قائمة، وفي جميع الأحوال يفتقر ما يزيد على 80 في المائة من المتعاملين في أسواق الأسهم العربية إلى أدنى أبجديات تقييم الأسهم، وهذا ما يحيل أي تراجع بسيط أو تصحيح في السوق إلى ما يشبه الكارثة على الجميع، وإن كان في تراجع أسعار أغلب الأسهم خلال الأسبوعين الماضيين شيء من العزاء، بسبب تدني مستوى أبرز ثلاثة من مؤشرات لأداء السوق، أي كميات الأسهم المتداولة، المبالغ المدورة، وكذلك عدد الصفقات المنفذة، ما يعني إحجام الكثيرين عن البيع.
وتنخفض سوق الأسهم في الظروف العادية، أي بسبب جني الأرباح، أو أي حركة تصحيح سعري، ولكن ربما تتحول أي من هاتين الحالتين إلى تدهور في الأسعار، خاصة في الأسواق غير الناضجة والتي لم تكتمل من ناحية الكفاءة، مثل الأسواق العربية عموما.
وجني الأرباح يحدث عندما يقرر أحد أو بعض كبار المستثمرين أن سعر سهم ما أو بعض الأسهم في محفظته قد ارتفع بما فيه الكفاية، وأصبح مغرياً، خاصة إذا كان السعر قد وصل إلى مستوى جيد وحقق للمستثمر مكاسب مقنعة وتبعا للخطة التي رسمها هذا المستثمر أو مستشاره، ربما يقرر تسجيل هذه المكاسب على الواقع بدلاً من كونها مسجلة على الورق، فمثلا لو أن مستثمرا يمتلك 500 ألف سهم أو أكثر في إحدى الشركات وكانت خطته الاستثمارية تقضي بأن يبيع أي كمية أسهم عندما يحقق مكسبا بنسبة 20 في المائة، ليس لأن السهم أصبح متضخما من الناحية السعرية، أو لأن سعر ذلك السهم أصبح مبالغا فيه، ولكن لأن خطة هذا المستثمر أو مستشاره تقضي بأن يبيع عند هذا السعر، لكون ذلك السعر هو المستهدف الذي تقرر عنده البيع، فيقوم ببيع كمية كبيرة من تلك الأسهم أو جميعها لتأكيد تلك المكاسب التي حققتها محفظته على أرض الواقع، ومن ثم ينتظر حتى يعاود السوق في الانخفاض مرة أخرى فيعوض كميته من نفس السهم، عندما يقوم بشرائها مرة أخرى، أو يستثمر المبلغ في أسهم شركة أخرى مدرجة في محفظته، عندما يصبح سعر أي سهم مغرياً، من هنا يمكن القول إن جني الأرباح هو عملية تسييل سهم أو بعض الأسهم من قبل أحد أو بعض كبار المستثمرين عند سعر معين لتأكيد المكاسب التي حققها سعر سهم أو أسعار مجموعة من الأسهم، لتسجيل تلك المكاسب على أرض الواقع بدلا من كونها على الورق، فكون قيمة محفظة مستثمر زادت إلى 50 مليوناً على الورق نتيجة ارتفاع قيمة الأسهم المشمول لا يعني أن أصول هذا المستثمر فعلا أصبحت 50 مليوناً، لأنه لو انخفضت أسعار الأسهم بواقع 5 في المائة في اليوم التالي فإن قيمة هذه المحفظة ستنخفض إلى 47,5 مليوناً.
وتحدث حركة تصحيح الأسعار في السوق عندما تتجاوز أسعار بعض الأسهم أو الغالبية العظمى من أسعار الأسهم حداً يتجاوز الخطوط الحمراء، أي عندما يصبح سعرالسهم، ولأسباب غير جوهرية منتفخا أو متضخما إلى حد كبير، وهذا يمكن الاستدلال عليه بمراجعة أبسط مؤشرات أداء السهم، وهي: مكرر الربح، مكرر الربح على النمو، القيمة الدفترية، مكرر القيمة الدفترية، معدلات السيولة، والنمو في أداء الشركة المعنية، ولكن المؤسف فعلا أن جل المضاربين وكذلك الغالبية العظمى من المستثمرين هم من فئة المقامرين، وهم غير معنيين بمثل هذه الآليات، ولا يرغبون حتى التفاهم أو معرفة هذه المؤشرات، وبدلا من ذلك ينساقون خلف الشائعات و التوصيات و التناصح غير الصحي، والذي لا يستند إلى أي أسس تحليل جوهري سليمة، ولا يعتمد على أي حقيقة، وعندما تقع الفأس في الرأس يبدؤون بالتذمر والامتعاض، ويضعون الملامة على هذا وذاك، على الصحافة، على وسائل الإعلام والإعلاميين، على محللي الأسهم الذين يكررون النصح ربما بشكل يومي، على البنوك، على هيئة سوق المال التي بذلت وتبذل في الآونة الأخيرة جهوداً جبارة ومضنية لتوعية المستثمرين والمضاربين واتخذت الكثير من القرارات والإجراءات الصارمة بهدف حماية صغار المستثمرين.
ولكي نضع النقاط على الحروف، ونبدأ من حيث يجب أن تكون البداية، فأي شركة لا تحقق ربحا تشغيليا، لا تمتلك أي مقومات للبقاء باستثناء الشركات التي يتم طرحها حديثا، وأما الشركات التي مضى عليها في السوق أكثر من سنتين ولا تزال تعيش في دوامة الخسائر المتزايدة، فتعدم أي وسيلة لتقييم أدائها، حيث إنها نقطة البداية في تقويم أو تقييم أي شركة معدومة بكل المقاييس، فالخطوة الأولى لتقييم سهم أي شركة هو مكرر الربح الذي هو بمثابة الترموميتر الذي يقيس درجة الحرارة، والذي نحصل عليه بقسمة سعر السهم السوقي على الربح المحقق، والمقصود بالربح المحقق هنا فقط الربح التشغيلي، أي الربح الناتج من نشاط الشركة الأصلي، فإذا كانت الشركة لا تحقق أي ربح تشغيلي، أي تخسر، أصبح هذا المكرر سالبا وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا إلا في حالات الشركات التي تطرح لأول مرة في السوق كما سبق حيث إن مثل هذه الشركات قد تستنزف السيولة المتوفرة لديها في مراحل البناء خلال العام الأول، وإذا لم تقلص خسائرها بشكل ملحوظ خلال السنة الثانية أو تحقق ربحاً مهما كان هامشياً تخرج به من دوامة الخسائر، تعتبر هذه الشركة من الخشاش كما يطلق عليها تجاوزا، وعليه تعدم أي وسيلة لتقييمها.
وبعد أن يتحقق لأي شركة مكرر ربح، يجب أن لا يتجاوز هذا المكرر 30 ضعفا بأي حال من الأحوال، لأن المكرر المرغوب دائما هو مقلوب متوسط معدل الفائدة بين العملات القيادية، والعملات الرئيسية، مثل الدولار الأمريكي والدولار الكندي والدولار الأسترالي، والجنيه الإسترليني، واليورو، والين الياباني وعملات دول مجلس التعاون، وحيث إن متوسط سعر الفائدة على تلك العملات في الوقت الراهن هو في حدود 3,5 في المائة سنويا، يكون مكرر الربح المقبول، خاصة في أسهم البنوك وأسهم العوائد وأسهم الشركات العملاقة، نتيجة قسمة 1 على هذه النسبة، أي 1 مقسوما على 3,5 في المائة، وهذا يوازي 29 ضعفا، وما عدا هذا ففيه الكثير من المخاطر، إلا في حالة تم دعم مكرر الربح بمؤشر آخر وهو نمو أرباح الشركة خلال السنوات الخمس الماضية، فلو أن شركة ما حققت نموا متتابعا في أرباحها خلال السنوات الخمس الماضية بمعدل 20 في المائة، يمكن قبول مكرر ربح لهذه الشركة عند 34 ضعفا، ويشمل النمو في ربح المنشأة إضافة إلى الأرباح التشغيلية، الأسهم التي توزعها المنشأة على مساهميها، لأن الأرباح التي لم توزع هي أرباح مبقاة، أضيفت إلى احتياطياتها ما عزز ورفع قيمة السهم الدفترية، وهذا يقودنا إلى مؤشر تقييم الأسهم التالي، القيمة الدفترية.
والقيمة الدفترية هي إجمالي حقوق المساهمين مقسوما على عدد الأسهم المصدرة والمدفوعة الثمن بالكامل، فإذا تجاوز مكرر القيمة الدفترية لسهم شركة ثلاثة أضعاف، يعتبر سعر السهم مبالغا فيه نسبيا، فهل يقبل أي مستثمر أن يحصل على تعويض بنسبة 30 في المائة من رأس ماله في حال أفلست الشركة التي يساهم فيها لا سمح الله؟، هذا هو المقصود بأن مكرر القيمة الدفترية ثلاثة أضعاف، فالقيمة الدفترية بكل بساطة تعني أنه في حال أفلست الشركة المعنية فإن ما سيحصل عليه من يملك أسهمها مقابل كل سهم هو القيمة الدفترية، والتي تحدد بمنتهى البساطة قيمة السهم حسب سجلات الشركة نفسها، فكيف يقبل أي مستثمر أن يشتري سهم شركة بمائة ريال إذا كانت هذه الشركة أعلنت على الملأ أن سعر سهمها يساوي 10 ريالات مثلا، أي أن سعر سهمها يوازي 10 في المائة من سعره السوقي، خاصة إذا كان سجلها عامراً بالخسائر المتراكمة، ومكرر القيمة الدفترية على سهمها على هذا المستوى، كيف يتسنى لمثل هذا السهم أن يتصارع مع سهم مكرر الربح عليه 20 ضعفاً ومكرر القيمة الدفترية عليه لا يتجاوز مرتين، فسهم الشركة الأخيرة سوف يسدد قيمته للمستثمر خلال 20 عاما، واحتمال إفلاس الشركة مستبعد ما دامت تحقق أرباحا، كما أنه في حال أفلست لا قدر الله فإن المستثمر سيحصل على نصف رأسماله على الأقل.
في الحالة الأولى يساهم المستثمر في خسائر الشركة، بل هو يشتري خسائر الشركة، وإذا كان مكرر القيمة الدفترية على هذه الشركة عشرة أضعاف، فإن هذا المستثمر في حالة إفلاس هذه الشركة سيحصل على 10 في المائة فقط من رأسماله، من يقبل بمثل هكذا استثمار؟.
عندما تتجاوز مؤشرات أداء السهم التي سبق ذكرها الخطوط الحمراء، على سبيل المثال لو بلغ متوسط مكرر الربح 40 ضعفا، مع عدم توفر أي نمو في أرباح الشركات، أو أن يكون مكرر القيمة الدفترية قد تجاوز الخمسة أضعاف، أو أن تتقلص أرباح الشركات المعلنة، أو تتزايد مديونياتها دون مبرر، ففي بعض أو كل ذلك مؤشرات صارخة بأن أسعار هذه الأسهم سوف تنخفض، وإذا كان مجموع الشركات التي تنطبق عليها هذه الحال كثيرة، تصبح السوق معرضة لحركة تصحيح سعري، حتى تعود المعدلات أعلاه إلى وضعها الطبيعي، وأما سبب تحول أي تراجع في السوق أو حركة تصحيح في الأسعار إلى تدهور في السوق كما حدث ويحدث في كثير من الأحيان، فهو بسبب قلة الوعي لدى المستثمرين وهشاشة ثقتهم في السوق، بل وفي الأسهم التي يستثمرون فيها أو يضاربون عليها فيندفعون متكتلين في حالة من الخوف والهلع ويهرعون إلى تكثيف عروض البيع ما يخيف آخرين على الطرف الآخر فيمتنعون عن الشراء ويقومون بسحب طلباتهم ويتوالى السيناريو في اليوم التالي وتبدأ النسب في الانخفاض بالحد الأقصى، في حين كان من المفروض في مثل هذه الحالات الامتناع عن البيع، بل مغادرة صالات الأسهم، والسوق بشكل عام. ونصيحة من القلب، يستحسن الابتعاد عن الأسهم التي لا تنطبق عليها أدنى معايير المؤشرات السابقة، وما عدا ذلك فهو نوع من المكابرة والتخبط، وكل حر بماله.
/////////////////////////////////////
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
(*) للكاتب / عبدالعزيز حمود الصعيدي