فائدة:
قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في معجم المناهي اللفظية:
لعن الله كذا: اللعن هو لغة: الطرد والإبعاد. وفي الشرع: الطرد و الإبعاد عن رحمة اللهتعالى.
والأصل الشرعي: تحريم اللعن، والزجر عن جريانه على اللسان، وأنالمسلم ليس بالطعان ولا اللَّعَّان، ولا يجوز التلاعن بين المسلِمين، ولا بينالمؤمنين، وليس اللعن من أخلاق المسلمين ولا أوصاف الصديقين، ولهذا ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لعْنُ المسلم كقتله) متفق عليه. واللَّعَّان قد جرت عليه نصوص الوعيد الشديد؛ بأنه لا يكون شهيداً، ولا شفيعاً يوم القيامة، ويُنهى عن صحبته، ولذا كان أكثر أهل النار: النساء؛ لأنهن يُكثرن اللعن، ويكفرن العشير. وأناللعان ترجع إليه اللَّعْنةُ، إذا لم تجد إلى من وجهت إليه سبيلاً.
ومن العقوبات المالية لِلَّعَّان: أنه إذا لعن دابة تُركت.
وقد بالغت الشريعة فيسد باب اللعن عن من لم يستحقه، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعن الديك، وعن لعن البرغوث،فعلى المسلم الناصح لنفسه حفظ لسانه عن اللعن، وعن التلاعن، والوقوف عند حدود الشرع في ذلك، فلا يُلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة، وهي في الأُمور الجامعة الآتية:
1. اللعن بوصف عام مثل: لعنة عامة على الكافرين. وعلىالظالمين. والكاذبين.
2. اللعن بوصف أخص منه، مثل: لعن آكل الربا، ولعنالزناة، ولعن السُّرَّاق والمرتشين، ونحو ذلك.
3. لعن الكافر المعيَّن الذي مات على الكفر. مثل: فرعون.
4. لعن كافر معين مات، ولم يظهر من شواهد الحال دخوله في الإسلام فيلعن، وإن توقَّى المسلم، وقال: لعنه الله إن كان مات كافراً، فحسن.
5. لعن كافر معيَّن حي؛ لعموم دخوله في لعنة الله على الكافرين، ولجواز قتله، وقتاله، ووجوب إعلان البراءة منه.
6. لعن المسلمالعاصي – مُعيَّناً – أو الفاسق بفسقه، والفاجر بفجوره. فهذا اختلف أهل العلم فيلعنه على قولين، والأكثر بل حُكيالاتفاق عليه، على عدم جواز لعنه؛ لإمكان التوبة، وغيرها من موانع لحوق اللعنة، والوعيد مثل ما يحصل
من الاستغفار، والتوبة، وتكاثر الحسنات وأنواع المكفرات الأخرى للذنوب. وإن ربي لغفور رحيم.اهـ.
سادساً: الاقتصار في الدعاء على النازلة:
فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين". (مجموع الفتاوى 21/155).
وقال أيضاً: "وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً".(مجموع الفتاوى 22/271).
وقال أيضاً: "عمر - رضي الله عنه - قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده. فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً وثانياً، وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده" (مجموع الفتاوى 23/109).
وقال أيضاً رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (23/115): "القنوت يكون عند النوازل، وأن الدعاء في القنوت ليس شيئاًمعيناً، ولا يدعو بما خطر له، بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سببالقنوت".اهـ.
سابعاً: القنوت للنازلة مشروع عند وجود سببه فإذا زال السبب تُرك القنوت:
ولذلك قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً ثم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم.
ويدل على ذلك: حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ " اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". أخرجه مسلم.
وجاء في "صحيح ابن خزيمة" (620): أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فلم يدع لهم فذكرت ذلك له فقال: أو ما تراهمقد قدموا).
قال ابن القيم: "إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قَدِمَ مَنْ دعا لهم، وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم و جاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت". (زاد المعاد 1/272).
فائدة: قال بعض أهل العلم استحباب الدعاء برفع الطاعون وأنه من جملة النوازل، وقد أطال البحث فيه الحافظ ابن حجر في كتابه بذل الماعون (ص 315)، والطاعون وباء معدي إذا نزل أهلك أمماً كثيرة، إذا نزل بأرض فإنه لا يجوز الذهاب إليها ولا يجوز الخروج منها لمن كان فيها كما ثبت في الصحيحين، واختلف هل يقنت لرفعه على قولين، فقيل: يدعى برفعه لأنه نازلة من نوازل الدهر، وقيل: لا يدعى برفعه لأنه شهادة فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن المطعون شهيد كما في الصحيحين وقالوا كيف ندعو بشيء فيه شهادة.
ثامناً: يسن جهر الإمام في القنوت للنازلة:
ويدل على ذلك: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بِذَلِكَ "أخرجه البخاري.
قال النووي: "وحديث قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قُتل القراء رضي الله عنهم يقتضي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات، هذا كلام الرافعي. والصحيح أو الصواب استحباب الجهر". (المجموع 3/482)
تاسعاً: يسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة:
ويدل على ذلك: حديث أنس - رضي الله عنه - قال:".. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ - يعني القرَّاء - فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ". أخرجه أحمد.
وقال النووي: "رواه - البيهقي - بإسناد له صحيح أو حسن" (المجموع 3/479).
وعن أبي رافع قال: "صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقنت بعد الركوع، ورفع يديه، وجهر بالدعاء".
أخرجه البيهقي وقال: "هذا عن عمر صحيح" (سنن البيهقي 2/212).
وهنا لابد من تنبيهات:
أولاً: لا يشرع مسح الوجه بعد دعاء القنوت. لأن ما ورد في المسح ضعيف لا يحتج به.
قال البيهقي - رحمه الله -: "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث فيه ضعف. وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، و أما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق".
(سنن البيهقي 2/212).
وقال ابن تيمية: "وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه - صلى الله عليه وسلم - فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة". (مجموع الفتاوى 22/519).
ثانياً: ظاهر الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل تبين أنه لم يكن يستفتح دعاء قنوت النازلة بحمد الله ولا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت في حديث أنه كان يستفتح دعاءه في قنوت النازلة بذلك ولا أصحابه من بعده.
ثالثاً: قال ابن تيمية: "ينبغي للمأموم أن يتابع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد؛ فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)". (مجموع الفتاوى 23/115 - 116).
عاشراً: هل قنوت النازلة خاص يفعله إمام المسلمين فقط دون العامة؟
هذه المسألة على قولين أظهرهما أنه ليس خاصاً بإمام المسلمين بل يفعله عامة الناس خلافاً للمذهب، وذلك لأمرين:
الأول: أن الأصل في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - العموم لجميع المسلمين، إلا إذا دل الدليل الصريح على التخصيص. ولم يثبت دليل على التخصيص، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي " أخرجه البخاري عن مالك بن الحويرث وهذا الحديث صريح في أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أنها لعموم المسلمين.
الثاني: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قنت وهو ليس بإمام للمسلمين، كما ثبت في الصحيحين - وقد سبق - أن أَبا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ".
وثبت القنوت أيضاً من فعل جمعٍ من الصحابة كأنس بن مالك كما رواه ابن المنذر في الأوسط، وابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، والبراء بن عازب كما عند البيهقي في سننه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، وأبى موسى الأشعري كما في مصنف ابن ابي شيبة وذكره ابن القيم في زاد المعاد ومعاوية كما ذكر ذلك البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت حيث قال: وقنت معاوية في الشام يدعو في صفين، فأخذ أهل الشام عنه ذلك. فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم ممن روى أحاديثقنوت النازلة وفعلها.
وبهذا يتبين أن القنوت يشرع لعموم المسلمين وهو قول أكثر العلماء واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
الحادي عشر: وهل يجوز لأحد أن يمنع القنوت في النوازل؟
قنوت النازلة سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري عن مالك بن الحويرث، فكل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله أو أمره إما أن يكون واجباً على المسلمين أو مستحباً على ما تقتضيه الأدلة، وعند النظر إلى هذه العبادة العظيمة التي يحتاجها المسلمون خاصة في وقتنا الحاضر حيث ألم بالمسلمين ما ألم بهم في كثير من بلدان المسلمين وعملاً بشعور الجسد الواحد لهذه الأمة يتبين أنه من حقوق النصرة أن يكون للمسلم نصيب من هذه العبادة عملاً بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه عندما تحل بالمسلمين نازلة.
الثاني عشر: وهل يشترط إذن الإمام في ذلك؟
على قولين:
القول الأول: أنه لا بد من إذن الإمام، وهو مذهب الحنابلة ويقولون بل لا يفعلها إلا الإمام.
وعللوا ذلك بما يلي:
1. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت وهو الإمام الأعظم في ذلك الوقت ولم يُعرف عن أحد من الصحابة أنه قنت في مكان آخر حينما قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على أن قنوت النازلة إنما هو راجع للإمام.
ونوقش هذا الاستدلال بما ثبت من قنوت ستة من الصحابة كما سبق ولم يكن أحد منهم إماما للمسلمين في ذلك الوقت ولم يُنْقل عن أحد منهم الاستئذان.
2. أن مسألة قنوت النوازل من المسائل الاجتهادية والقاعدة تقول: (حكم الحاكم يرفع الخلاف) وعليه إذا اختلف الناس في قنوت النازلة وحكم الحاكم بشيء يجب أن يُعمل بحكمه، واجتماع قلوب الناس خير من الافتراق، ومما لاشك فيه أن حكم الحاكم يجمع ما تفرق من الاجتهادات.
والقول الثاني: أنه لا يشترط إذن الإمام، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، وذلك لما يلي:
1. الأصل أن قنوت النازلة عبادة يتعبد بها كل المسلمين، ومن زاد في هذه العبادة شرطاً لابد له من الدليل الشرعي لهذا الشرط والأصل في العبادات التوقيف والحظر، ولا دليل من الكتاب والسنة على هذا الشرط.
2. أنه لا يجوز لأحد أن يمنع المظلوم من الدعاء على ظالمه؛ لحديث: "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"؛ رواه البخاري ومسلم، كما لا يجوز لأحد أن يَمنع المسلم من الدعاء لإخوانه المسلمين المستضعفين والمضطهدين في كل مكان من الأرض، لما جاء في الحديث: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: ولك بمثل"؛ رواه مسلم.
وأما قولهم: عملاً بقاعدة [حكم الحاكم يرفع الخلاف] إنما يكون ذلك فيما تجري فيه الدعاوى والخصومات فقط مما يجري بين الناس عادة، كالحقوق المالية والجنايات والحدود ونحوها، بخلاف ماله علاقة بالاعتقاد أو العبادات المحضة؛
كالطهارة والصلاة والصيام ومنه قنوت النازلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والأمة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث، أو حكم خبري أو طلبي، لم يكن صحة أحد القولين وفساد الآخر ثابتاً بمجرد حكم حاكم، فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة. يعني ما تدخله الدعاوى والخصومات- دون العامة -، ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء ﴾ هو الحيض والأطهار، ويكون هذا حكم يلزم جميع الناس قوله، أو يحكم بأن اللمس في قوله تعالى: ﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ﴾ هو الوطء والمباشرة فيما دونه، أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، أو الأب، والسيد، وهذا لا يقوله أحد..... وكذلك باب العبادات، مثل كون مس الذكر ينقض أو لا؟ وكون العصر يستحب تعجيلها أو تأخيرها، والفجر يَقْنُت فيه دائماً أو لا؟ أو يقنت عند النوازل ونحو ذلك) أ.ه - (مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/238- 239).
وأيضاً الخلاف في قنوت النازلة لا يحدث فرقة عند المسلمين لأن الأصل فيه جواز تركه وجواز فعله فلا إنكار فيه ذكر ذلك ابن القيم (في زاد المعاد 1/272) وبين أن هذا من الاختلاف المباح، وأيضاً إخضاع هذه العبادة إلى إذن ولاة الأمر في البلاد يجعلها خاضعة للأهواء والسياسات وربما تعطلت هذه الشعيرة بسبب ذلك، وعليه فالمسلم يقنت بعدما يستشير من لهم النظر في مثل هذه المسائل من العلماء.
وأما المرأة فالأظهر والله أعلم أنها تقنت في بيتها في الفرائض وهو اختيار الشيخ ابن جبرين حفظه الله، لأن ما ثبت في حق الرجال فهو ثابت في حق النساء إلا ما دلَّ الدليل على التفريق بينهما ولا دليل يفرق بينهما والله أعلم.
متى يكون القنوت قبل الركوع أم بعده؟
اختلف أهل العلم في ذلك:
قيل: قبل الركوع.
واستدلوا: بما رواه عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت خلف عمر بن الخطاب فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: "اللهم إياك نعبد...... " الحديث رواه البيهقي.
وقيل: بعد الركوع ، وهو قول مذهب الحنابلة (انظر المغني 2/581).
واستدلوا: بحديث أبي هريرة في الصحيحين: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يرفع رأسه – يعني من الركوع – يقول سمع الله لمن حمده، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم .... " وأيضاً حديث أنس عند البخاري وفيه: "بعد الركوع " وغيرها من الأحاديث الدالة على ذلك.
والصحيح أن الأمر في ذلك واسع فيجوز قبل الركوع ويجوز بعده وقد بوَّب البخاري [باب القنوت قبل الركوع وبعده] لكن القنوت بعد الركوع أكثر في الأحاديث النبوية كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم فيُغَلَّب على ما قبل الركوع، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموعة الفتاوى (23/100): "وأما القنوت، فالناس فيه طرفان ووسط: منهم من لا يرى
القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد: سمع الله لمن حمده، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما دلت فاتحة الكتاب على ذلك أولها وآخرها".
أسأل الله تعالى أن يكشف بما بإخواننا المستضعفين في كل مكان وأن يؤيدهم بنصر من عنده ويظهرهم على عدوهم إن سميع قريب مجيب .
مُسْتَلَّةٌ من شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع للشيخ عبدالله حمود الفريح