أغالب الليل الحزين الطويل : أغالب الداء المقيم الوبيل
أغالب الآلام مهما طغت : بحسبي الله ونعم الوكيل
فحسبي الله قبيل الشروق : وحسبي الله بعيد الأصيل
وحسبي الله إذا رضّني : بصدره المشؤوم همّي الثقيل
وحسبي الله إذا أسبلت : دموعها عين الفقير العليل
يا رب أنت المرتجى سيّدي : أنر لخطوتي سواء السبيل
قضيت عمري تائهًا ، ها أنا : أعود إذ لم يبقَ إلا القليل
الله يدري أنني مؤمن : في عمق قلبي رهبة للجليل
مهما طغى القبح يظل الهدى : كالطود يختال بوجه جميل
أنا الشريد اليوم يا سيدي : فاغفر أيا ربّ لعبد ذليل
ذرفت أمس دمعتي توبة : ولم تزل على خدودي تسيل
يا ليتني ما زلت طفلاً وفي : عيني ما زال جمال النخيل
أرتّل القرآن يا ليتني : ما زلت طفلاً في الإهاب النحيل
على جبين الحب في مخدعي : يؤذنّي في الليل صوت الخليل
هديل بنتي مثل نور الضحى : أسمع فيها هدهدات العويل
تقول يا بابا تريث فلا : أقول إلا سامحيني ... هديل
القصيدة أعلاه كتبها معالي الأديب الوزير غازي القصيبي رحمه الله توبة وإنابة إلى الله جل وعلا وهو على فراش المرض بسرطان القولون، ذرفت من عيني دمعات وأنا أقرأ خبر الوفاة، وتبعتها أخريات وأنا أقرأ هذه القصيدة المؤثرة، حزنا على مصابه، وفرحا بالروح الإيمانية التي تجلت فيها واضحة، غازي ذلك العبد المؤمن بالله، أما من جرده من إيمانه لأنه خالف توجهه فتلك مصيبة سيلقى جزاءها من الخالق سبحانه العالم بما في نفوس العباد وحده، تصفحت الخبر في الكثير من المواقع، في ذيل خبر الوفاة آلاف العبارات تترحم عليه، وهي سمة المجتمع المسلم الذي يتنازل عن مواقف العداء أمام شخص الموت المهيب.
رحل غازي ورحلت معه خلافاته الفكرية التي تجلت في معظم مؤلفاته القصصية بالذات، وقصائده، ومقالاته كزاويته التي حملت اسم (في عين العاصفة) التي كان يكتبها يوميا في صحيفة الشرق الأوسط أيام حرب الخليج الثانية، ومن اختلف مع فكره ورد عليهم بكتاب عنونه بـ "حتى لا تكون فتنة"، أو معاركه العملية، وبالذات حينما تولى وزارة العمل.
رحل غازي ترافقه قصيدة (التوبة) وسيجد صداها غفرانا من الله جل وعلا بإذنه سبحانه، ممن اختلفوا معه، أو ونالوا في عرضه سنوات طوال، وأخص هنا من سبه خلال تسنمه وزارة العمل.
لقد ظل القصيبي عرضة للشتم والقذف من أطياف شتى، رحل وله في ذمة الكثيرين أجر الغيبة، وعليهم وزرها، إن لم يكن سامحهم.
إنني أدعو كل من نال اغتابه أن يسارع إلى الدعاء له لعل الله أن يغفر له ما اقترفه بحقه خاصة من سبه خلال توليه وزارة العمل، وما أكثرهم! وليتذكر الجميع قول الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم) الحجرات، الآية 12، ولعلها تكون بداية التوقف عن الخوض في أعراض الناس، أسأل الله أن يهدي الجميع لما يحبه ويرضاه.