كان الحضور المبكر للدوام أيام الدراسة ديدنه، والأمانة والمسؤولية هدفه والاخلاص شرفه، والتعاون مع زملائه رغبته والعمل معه ومحاورته متعة.. هذا هو عبدالله بن جنيدب سالم المالكي كان لا يعرف سوى قاعة المحاضرات وباب مكتبة كلية إعداد المعلمين بالطائف، هذا ما جاء على لسان زميله وصديق عمره رجاء رجاء الله الثبيتي عندما حكى لي عن عبقريته أيام صحته وقبل ان يداهمه ذلك المرض الغامض ويقضي على عبقريته وما زال يتحدث لي عنه بكل حزن وأسى.. اتجهنا إلى منزله برفقة أخيه مسلم جنيدب استأذنا بالدخول وقبل ذلك كنت قد رسمت الحالة في تصوري وما ان دخلت مع الباب حتى صدمت بالموقف لأنه كان أعظم من تصوري وأكبر من كل الاحتمالات.. انها مأساة كبيرة ومعاناة عظيمة... جسم ممدد على الفراش، هذا الجسم عبارة عن هيكل عظمي متهالك يغطيه الجلد.. آثار الداء العظيم واضحة وجلية على ملامحه مكثت وقتا ممسكا برأسي من هول المأساة... وهو ينظر إلينا بنظرات ملؤها الحزن واليأس.
وعند سؤالي لأخيه مسلم عن حالته وعن بداية المرض معه قال بكل انكسار: كان أخي عبدالله من افضل اخواني كان محافظا على دراسته ومداوما على مذاكرته حتى تخرج من كلية المعلمين بالطائف قسم اللغة العربية وتعين معلما بمنطقة حفر الباطن وكان آنذاك متزوجا ولديه ولد "اسماعيل 3سنوات" و"أروى" سنتان.
وفي الاجازة الصيفية ذهب برفقة زوجته لزيارة أهلها بقرية البشران بالقريع بني مالك جنوب محافظة الطائف وكان ذلك قرب اختبارات الدور الثاني عام 1419ه وبعد عودته للطائف شعر بزكام خفيف وبعد الكشف عليه في أحد المراكز الصحية بالطائف تبين لديه ذلك وأخذ مسكنات للزكام وكانت حالته الصحية جيدة ثم سافر إلى حفر الباطن لحضور اختبار الدور الثاني ومن ثم العودة للطائف.
ويضيف بحسرة حدث ما لم يكن في الحسبان فبعد حضوره أول يوم في الاختبارات شعر بالمرض وقام زملاؤه بنقله لمستشفى القوات المسلحة بحفر الباطن ومكث هناك منوماً لمدة شهر وقاموا بالاتصال علينا وابلغونا بالأمر وبعد زيارتنا له طلب الوالد - يرحمه الله - تحويله لمستشفى الهدا بالطائف قريبا منا وبقي هناك 15يوما ثم قام المستشفى بتحويله لمستشفى رحاب بالطائف للعلاج الطبيعي وأفادونا انه مصاب بمرض "التهاب سحائي دماغي بالمخ" وأصبح طريح الفراش كما ترى لا يستطيع الحركة ولا يتكلم وإنما عن طريق الإشارة والإيماء.
استمر على العلاج الطبيعي ولكن دونما فائدة فهو كما ترى طريح الفراش "جثة هامدة" منذ سنتين وستة أشهر بعد ذلك تكبدنا العناء وقمنا بنقله في سيارة إلى جدة لكي تكشف عليه الهيئة الطبية واصدرت تقريرا مفاده ان المذكور غير قادر على العمل مدى الحياة وتمت احالته للتقاعد بناء عليه.
ويستطرد في حديثه قائلا: ما زلنا نراجع به مركز التأهيل لأنه يتعرض لتشنجات من فترة لأخرى.
ثم تنهد مسلم وقال: كان والدي يرحمه الله يقوم على رعاية عبدالله وبعد وفاته قبل ستة أشهر ساءت الأحوال فكان يسكن معنا في سكن الوالد وبعد وفاة الوالد انتقل عبدالله وزوجته وسكن في هذه الشقة. ب , 14000ريال. ثم يا أخي ما يزال هذا المرض غامضا فقد حيّرنا وحيّر الأطباء في تشخيصه.
عبدالله الآن لا نتعامل معه سوى بلغة الاشارة ويطلب منا ان نمسك المصحف أمام عينيه لكي يقرأ منه أيضا بعض كتب اللغة والأدب وبعض الكتب الدينية ويستمع دائما لأشرطة القرآن الكريم والخطب والمواعظ ويتأثر كثيرا عندما يزوره زملاؤه ويشاهدهم.
صدقني لقد طلب منا أن يصوم ولكن الطبيب نصحه بغير ذلك لأن حالته لا تحتمل. تغرورق عيناه بالدموع عندما يشاهد بعض الاصدقاء، كذلك يتعامل أهله معه عن طريق الحروف فيقوم أحدهم بقراءة الحروف الهجائية متتالية وعندما يصل الحرف المطلوب يغمض عينيه ويتم تدوين الحروف ثم إعادة قراءة الحروف مرة ثانية.
اما الأبناء اسماعيل وأروى فإنهما في تساؤلات غريبة وعلامات استفهام جائرة ترتسم أمامهما لأنهما لم يعرفا أباهما إلا وهو على هذه الحالة الأمر الذي حرمهما من عطف الأبوة وحنانها.
ويلتقط الحديث زميله رجاء الثبيتي قائلا: كنت زميلا لعبدالله في الكلية لمدةأربع سنوات كان من افضل الزملاء مواظبة على الحضور وجدية في الدرس وأشاد به عدد من الأساتذة في الكلية وكنا عندما نخرج ونذهب للافطار يذهب عبدالله للمكتبة ولا تجده إلا بين الكتب، وعندما تخرج وصافح المستقبل بيمينه حال هذا المرض الغامض دون تحقيق أحلامه، لقد كان عبدالله يتمتع بعبقرية نادرة وعقلية فذة ولكن ندعو الله عز وجل أن يكتب له الشفاء العاجل .
================
جريدة الرياض
.