لمحـــة تاريخيــــــــة :
تروي لنا كتب التاريخ مدى إرتباط المغاربة -الذين هم أبعد المسلمين عن تلك البقعة- بقضية القدس والمسجد الأقصى منذ الحروب الصليبية ..
فيروي لنا الدكتور : ممدوح حسين في كتابه القيّم ((
الحروب الصليبية في شمال إفريقيا وأثرها الحضاري ))
قَبَسَاً من تَعلُّق المغاربة ببيت المقدس ، يقول :
( نستطيعُ القول : إن المغاربة ومن ضمنه أهل إفريقية قد أسهموا بنصيب مرموق
في الحروب الصليبية التي دارت رحاها في الشرق ، ومنذ السنوات الأولى لوصول الصليبين إلى بلاد الشام انخرط كثير من المغاربة في سلك القوى الإسلامية التي تصدت
للغزاة ، ولم يكن هؤلاء المجاهدون المغاربة بطبيعة الحال جيوشا منظمة أرسلتها حكوماتهم لنصرة إخوانهم ، ولكنها كانت جهود أفراد وجماعات كانت تأتي إلى المشرق
لأغراض عدة ؛ أهمها : الحج أو علم الطب أو التجارة أو خصيصاً للجهاد ، وكان هؤلاء حينما يرون احتدام المعارك بين المسلمين والصليبين تهزُّهم الحمية ويلقون بأنفسهم في اتونها ، فَرَكْبُ الحجاج المغاربة الذي كان يصل سنوياً إلى المشرق ويضم
الآلاف ؛ كان العديدُ منهم بعد أدائه فريضة الحج يتوجه إلى بلاد الشام إما لزيارة الأماكن
المقدسة فيها كالمسجد الأقصى والمسجد إلابراهيمي في الخليل وغيرهما أو تجنباً للمرور بمصر خوفا من التعرض لأذى حكامها الفاطميين أيام دولتهم ، يقول ابن الأثير في ذلك : ( إن المغاربة كانوا يعتقدون في العلويين أصحاب مصر الإعتقاد القبيح
فكانوا اذا ارادوا الحج يعدلون عن مصر ) ، فكان من تواتيه الفرصة من هؤلاء أن يقرن فريضة الحج بالجهاد لا يدعها تفوته .. وقد وجد من بين المغاربة من كان يقسم
عمره سنة في الأندلس -للجهاد- وسنة في المشرق يقيم بينهما سنة في أهله ..
ونظراً لشدة بأسهم وحسن بلائهم في القتال ، رغب حكام المشرق من المسلمين فيهم
وعملوا على إلحاقهم بجيوشهم .
وكان عددهم في جيش صلاح الدين أثناء حصاره لمدينة عكا سنة 583هـ-1187م يقدر ما بين 2000 إلى 3000 مغاربي ... وكانت نكاية هؤلاء المغاربة بالعدو
شديدة مما أحفظه عليهم وبالغ في الإساءة إليهم ، حتى إنه فرض على المارين منهم
بالبلاد الواقعة تحت سيطرته دفع ضريبة رأس عن كل فرد دون غيرهم إمعاناً منه في القسوة عليهم ....
وفي ذلك يقول ابن جبير : وقال الفرنج : إن هؤلاء المغاربة كانوا يختلفون على
بلادنا ونسالمهم ولا نرزأهم شيئاً فلما تعرضوا لحربنا وتألبوا مع أخوانهم المسلمين علينا وجب أن نضع هذه الضريبة عليهم فللمغاربة في أداء هذا المكس سببه من
الذكر الجميل في نكايتهم العدو ))
ويقول أيضاً : (( اشتهر الكثير من هؤلاء المغاربة الذين قصدوا المشرق وجاهدوا
الصليبيين في ساحات القتال ، مثل : عبدالسلام المغربي الذي كان قائداً لإسطول صلاح الدين الذي حاصر مدينة صور ، والفقيه يوسف بن دوناس الغربي شيخ المالكية في دمشق الذي خرج للجهاد حينما هاجم الصليبيون دمشق سنة 543هـ إبّان الجملة الصليبية الثانية فحاول معين الدين أنر وزير الدولة البورية في ذلك الوقت ثنيه عن عزمه نظراً لكبر سنه وضعفه قائلاً له : يا شيخ ! أنت معذور ونحن نكفيك وليست بك قوة على القتال ، قال : قد بعتُ واشترى فلا نقيله ولا نستقيله ، يعني قول الله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة ) ..
وتقدم فقاتل حتى قتل -رحمه الله- عند النيرب ) .
ويشير د. ممدوح حسين إلى معلومة غاية في الأهمية : (( كان من أهداف الحملة الصليبية الثامنة التي قادها لويس التاسع على تونس احتلال أفريقية لقطع الإتصال بين
الطرفين )) أي : بين المشرق والمغرب الإسلامي .
ويقولُ أيضاً في دلالةٍ على مستوى التكافل وحب الناس للمجاهدين : (( ومن جميل
صنع الله تعالى لأسرى المغاربة بهذه البلاد الشامية الإفرنجية ؛ أن كل من يُخرج من
ماله وصية من المسلمين بهذه الجهات الشامية وسواها إنما يُعَيُّنُها في افتكاك المغاربة خاصة لبُعدهم عن بلادهم وأنهم لا مخلص لهم سوى ذلك بعد الله عزوجل ، حتى إن نور الدين زنكي نذر حينما أصابه مرض أن ينفق أثني عشر ألف دينار في فداء أسرى المغاربة وفعلاً وفّى بهذا النذر حينما شفي إذ أرسل في فدائهم ، فسيق فيهم نفر ليسوا
من المغاربة فأمر بصرفهم وإخراج عوض عنهم من المغاربة قائلاً : إن هؤلاء يَفتَكُّهم أهلهم وجيرانهم ، والمغاربة غرباء لا أهل لهم ))
وبعد استعادة صلاح الدين لبيت المقدس أسكَن المغاربة فيما أصبح يُعرف لاحقاً { بحي المغاربة } وأستأمنهم عليه وأن لا يُؤتى المسلمون من قبلهم ، فاستبسلوا في ذلك حتى تتابع التاريخ وتَسَلَّم العرب المعاصرون أمانة بيت المقدس ، فاحتله اليهود
وهدموا حي المغاربة وأقاموا على أنقاضه ساحة (( حائط المبكى )) ، وجعلوا باب المغاربة هو بابهم الذي يدخلون منه إلى المسجد !!.
.
.
.
.
.
.
أعتذر أحبتي عن الإطالة ، لكن ما دفعني إلى القراءات حول هذه النقطة ، هو مسمى
حي المغاربة الذي كنتُ أسمع به وأقرأ عنه إذا ذُكر القدس ، فكنت أستغرب ( التسمية ) ، وأيضاً ولا - أخفيكم سراً - ربما ما يأتي تباعاً هو الغيرة

من تلكم المقولة للأستاذ : حسنين هيكل في كتابة : المفاوضات السرية بي العرب وأسرائيل .. حيثُ قال :
((
والأهتمام بالسياسة فكراً أو عملاً يقتضي قراءة التاريخ أولاً ، لأن الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يًولدوا محكومٌ عليهم أن يظلوا أطفالاً طول عمرهم ))
.
.
.
28/شعبان/1430هـ
في -مكتبتي-
.