[align=center]
بدت كمن خُلقت من أجلي , فلم أكن في يوم من الأيام أسرُّ بأحد كما أسرّ بها , فقد ملكت القلب , وهيّجت الجوارح , وراحت تسلب لبي من غير أن أقف لها على حل يثلج الصدر , ويزيل كدر الدنيا بصروفها .
صدّقتني حين كذّبني أقرب الناس إليّ , ولم أكن أعلم سرّ نجواها حتى علمت من أمرها ما علمت , فقد سهرت من أجلي , وانتثر ماء عينيها وجدًا عليّ , وكم مرة ازداد نحيبها كلما ذكرتني , وهل نسيتني قط ؟ !
أحبها , وأحب مرآها , وأحب كل اسم صادف اسمها مشاكلة أو قاربه , فلها في الفؤاد علوق الأم بولدها المفقود , وعزائي بها عزاء طفل فقدَ أمه ولمّا يعلم من أمر رحيلها شيئًا بعدُ , فتراه باكيًا لا يفتر عن البكاء , ويهيج قلبه كلما رأى السواد على امرأة يحسبها أمّه , فما تراه يصنع بنهاره فضلاً عن لياليه الداجيات ؟ فرحماك يا مولاي به وبي رحماك .
رحلت " عفاف " حبيبة القلب حين سكنت الفؤاد وتربّعت به طوعًا واشتياقًا , وأذاقتني برحيلها سموم الجارحات بأنواعها , وأبقتني على حال لا يتمناه المريض لنفسه , فحسبه مرضه الخفيف لما يعلم من شدة ما أقاسيه , فما عساه يتمنى الموت فلا يجده ؟ !
أحبها – يا قارئي – فلا تعجب , فلست منوطًا أنت بحبها كما أحبها , ولست تعلم من ماضينا سوى تلك السطور , وعما اكتنـز في الصدر ووعاه الفكر , وما كنت لأحدّثك عن لذيذ حروف اسمها في فمي , وعن لذائذ صوتها تناديني . . . فتبددت أحلام أسرة , وسرق رحيلها ابتسامات وارفات , فمن لي بمن يرجعها إليّ وله ما تمنى ؟ !
[/align]