تأثير العصر العباسي على الفكر الإسلامي المعاصر
1 - التأثيرات الخارجية والعوامل الداخلية في انتشار الفكر العباسي
2 - مظاهر الخلل في العصر الإسلامي المعاصر
3 - دور العلماء في تجديد الفكر الديني
إخوتي الكرام:/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبابي الفضلاء: بين أيديكم لقاء الدكتور "عبدالله الحامد ، في برنامج {الشريعةوالحياة}
يوم الثلاثاء 16/3/1423هـ الموافق 28/5/2002م، (توقيت النشر) الساعة: 09:37
وأملاً في تعميم الفائدة أحببت نشره هنا، ولم يكن لي من جهد سوى أنني قمت بحذف المداخلات ، والكلمات المتكررة؛ كعادة الحوارات المباشرة. وإليكم الموضوع ...
ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
موضوعنا لهذا اليوم يقع تحت عنوان عريض هو نحو تجديد الفكر الديني، غالبية ما تعورف على أنه الإسلام ومنهج السلف الصالح، هو في الحقيقة فكر تشكل في العصر العباسي الوسيط أيام ازدهار الدولة العباسية، لا سيما في عصر المأمون، وما تلاه على اعتبار أنها فترة شهدت الكثير من الصراعات الفكرية التي أثرت التراث الإسلامي والذي للأسف الشديد بقي عالة عليها إلى يومنا هذا.
في العصر العباسي طغت الصراعات، وانصبغ الفكر بطابع سجالي تبعاً لذلك، أكثر ما أسيء له في الفكر الإسلامي في تلك الفترة والفترات اللاحقة عليها أنه بسبب هذه الصراعات، وبسبب الازدهار الذي لحق بالأمة في تلك الفترة طغت روح التقليد وبقي ذلك هو النموذج الذي يطمح الجميع إلى تقليده، هذا أثر على العقلية المسلمة، وجعل منها في الشكل كبير عقلية تقليدية، وأكثر مفهوم أسيء استخدامه للتعبير عن هذه العقلية التقليدية هو مفهوم السلفية باعتبار أنها الصيرورة على نهج السلف الذي اتفق الناس أو اتفقت الأمة على صلاحه، لكن ليس كل من ادعوا السلفية كانوا سلفيين بالمعنى الحقيقي للكلمة، إذن موضوعنا هو نحو تجديد الفكر الديني، نحو مزيد من السعي.. نحو مزيد من الإبداع في الفكر الديني، ويسعدني أن يكون ضيفي لهذه الحلقة لمناقشة هذا الموضوع، الدكتور عبد الله الحامد، والدكتور عبد الله الحامد (كاتب سعودي معروف وهو أكاديمي سابق، فُصِل من الجامعة – جامعة الإمام في الرياض لأسباب سياسية، حيث أنه كان أحد أعضاء اللجنة السداسية التي وقعت على عريضة لجنة الحقوق الشرعية، الدكتور عبد الله الحامد إذن إضافة إلى كونه أكاديمي هو ناشط سياسي، وكاتب في بعض المطبوعات العربية)، دكتور عبد الله الحامد أهلاً وسهلاً بك في (الشريعة والحياة).
د. عبد الله الحامد: أهلاً وسهلاً
.
تأثير العصر العباسي على الفكر الإسلامي المعاصر
ماهر عبد الله: أنا أعلم أنه طابعك العام أدبي، وما كتبته في الشعر أكثر مما كتبته في السياسة لكن هم المثقف والمثقف الإسلامي على وجهة التحديد يتداخل مع السياسة بغض النظر عن الخلفية وبغض النظر عن الثقافة الشخصية، أنا أشرت كثيراً في.. في المقدمة إلى العهد العباسي، وأنا أعلم أنك من الذين يستاءون جداً من بصمات تلك الفترة على فكرنا الإسلامي كما نراه اليوم، باعتقادك الشخصي إلى أي مدى يتأثر الفكر الإسلامي –كما نعرفه اليوم- بكافة تياراته بفكر تلك الفترة من تاريخ الأمة الإسلامية؟
د. عبد الله الحامد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، في البداية لعله لا يفوتنا في مثل هذه الفترة أن نحيي صمود أهلنا في فلسطين المحتلة، وندعو الله للشهداء بالقبول، ولا شك أن الشهداء هم الذي يسقون شجرة النصر التي تنمو شيئاً فشيئاً، ودائماً إرادات الشعوب تقهر كل طغيان وعدوان.
بالنسبة لموضوع تأثر الفكر الإسلامي المعاصر بما أشرت إليه العصر العباسي، هناك شيء قد يفوت كثيراً من الناس وهو أن صياغة الفكر الإسلامي إنما تمت في العصر العباسي، وهذه الصياغة نظر إليها على أنها هي الإسلام، ولكن هذا الكلام يحتاج إلى تدقيق، فعندما نرى ما فصلنا فقهاؤنا القدامى –رحمنا الله وإياهم- من مدونات نجد فيها الفكرة.. الأفكار المركزية أو الأساسية للإسلام، لكن نجد هناك أشياء ثانوية كحلول لمشكلات حدثت، وتحديات واجهتهم، ولم يخلوا ما كتبوه من طابع العصر، لأن المفكرين والفقهاء والمدونين تأثروا بجو البيئة الذي أحاط بهم، وأول شيء تأثروا به هم أنهم يقدمون حلولاً لمشكلات حدثت في مجتمعهم، أحمد بن حنبل –رحمه الله- عندما رفع لواء القرآن غير مخلوق كان يجيب على سؤال طرحه المعتزلة فتطلبه السياق العام، فبالتالي الذين صاغوا العقيدة فيما بعد اشتغلوا بالقضايا الغيبية، أكثر مما اشتغلوا بقضايا عالم الشهادة، وصار النقاش في عالم السماء، ولم يهبط ليناقش مشكلات الإنسان على الأرض، فطبعاً لذلك أسباب كثيرة، وله نماذج كثيرة، السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الفكر الذي صيغ في العصر العباسي هو الإسلام؟
ماهر عبد الله: أسمح لي، قبل أن تجيب على سؤالك هذا، يعني هناك مفارقة يتضمنها تقديمك هذا، وهو أننا نزعم سلفيو العقيدة، وأننا نلتزم بالسف الصالح، لكن واضح من كتابات أغلب الذين يقولون هذا، أنهم فعلاً يتكئون على أحمد بن حنبل، وفكر أحمد بن حنبل، لكن يفترض عندما نقول السلف الصالح أننا نتحدث عن جيل الصحابة وجيل التابعين، فكيف نزعم أننا سلفيون عندما يكون المحدد الأكبر لفكرنا الإسلامي في مرحلة لاحقة جيلين أو ثلاثة بعد جيل التابعين؟
د. عبد الله الحامد: الواقع نحن هنا نقع في إشكالية المصطلح، ما هي السلفية؟ السلفية من حيث التنظير هي الأشياء التي قام بها علماء وفقهاء السلف الصالح، بدءاً من الإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، هؤلاء عندما تطلق السلفية هم المؤسسون لها، لكن كيف أطلقت السلفية؟ السلفية في الأصل أن هذا الجيل عندما جاءت أسئلة حديثة طرحها الامتزاج الثقافي بين الأمم، كالسؤال حول القرآن وحول الذات والصفات والقدر، قال الفقهاء الذين هم رموز السلف الصالح عليكم بمذهب من سلف، ويقصدون بمن سلف السابقين من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، لكن بعد ذلك تطور مفهوم السلفية بحيث أصبح هناك سلفيات عديدة، سلفية محافظة وسلفية مجددة، فأصبح إطلاق المديح أو إطلاق الذم على السلفية غير صحيح، لأن السلفية تنقسم إلى قسمين في الواقع، السلفية منهجاً وأصولاً، مثلاً تدوين الحديث الشريف مصححاً، هذا أمر أساسي في الأمة، ولا غنى لمسلم عن أن يعتمد ذلك، ثم هناك بناء منهج أصول فقه الكتاب والسنة، ثم هناك تقديم الوحي على الرأي، ثم هناك فهم القرآن الكريم بحسب أصول اللغة العربية، هذه هي السلفية أصولا ومنهجاً، وهي أساس أو هي الأساس القويم لفهم الإسلام، من غير تحريف ولا تعقيد، لكي نخرج من الفهم الصوفي للقرآن الكريم والحديث الشريف الذي يجعل المعنى عائماً كالفهم البنيوي، ولكي نخرج أيضاً من الفهم التجريدي الذي تبناه المعتزلة أو تقديمهم العقل على النقل، فإذا جاءوا.. أو تفسيرهم القرآن بخلاف ما يبدو من ظاهر اللفظ، كما في تفسيرهم قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) بعضهم قالوا العقل، لكن هذا خلاف السياق العام، ثم هناك أيضاً خروجاً من التفسير الباطني للشريعة، كما ذهب إليه الفلاسفة التجريديون الذين يقولون للقرآن والنصوص الدينية معنىً ظاهراً للعامة ومعنىً باطناً للخاصة، فلابد من ضبط فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة بمنهج السلف الصالح.
أما السلفية .. التفريعات والتطبيقات والحركات، وما قام به الإمام أحمد بن حنبل، مثلاً الإمام أحمد بن حنبل قام بأمور منها مثلاً تدوين السنة،وتدوين السنة هذا لابد أن.. أن يعتمد عليه الآن، لكن له آراء أخرى، فهذه الآراء الأخرى منها ما هو مجال اجتهاد، وكل ما فيه اجتهاد لا مشاحة في الخلاف فيه، ثم هو مجال خطأ وصواب، وبالتالي ينبغي أن نفرز هذا عن هذا، كذلك ما قام به مثلاً من بعده أحمد بن تيمية، هذا له تفريعات وتطبيقات واهتمامات، وكذلك من جاء من بعده، تستطيع أن تعد الإمام محمد بن عبد الوهاب، حسن البنا، سيد قطب، كل هؤلاء لهم أفكار سلفية، أما في المحافظة على تفريعات قالها الإمام أحمد، وإلزام الناس بها والالتزام بدون اجتهاد ورأي فهذا هو مجال الملاحظة في الفكر السلفي.
ماهر عبد الله: سيدي، الدكتور عبد الله الحامد، أي السلفية.. تحدثت عن سلفية بمنهج وأصول، وتحدثت عن منهجيات.. عن سلفية تفريقات وتفريعات، أي السلفيتين هو الدارج اليوم في الفكر الإسلام؟
د. عبد الله الحامد: إذا سمحت لي لكي لا نظلم السلفية المعاصرة، لا ينبغي أن ننال من القدامى، هؤلاء قاموا بدورهم، لكن اللوم على المحدثين الذي لا يريدون أن يتجاوزوهم، ولا يريدون التعامل معهم بصفتهم بشراً يخطئ ويصيب، بل ينظرون إليهم ويقدسونهم وكأنهم هم نص الكتاب والسنة، ويعتبرونهم هم المرجعية، هذه هي الإشكالية، السلفية إذن سلفيتان هناك سلفية مجددة، وهناك سلفية محافظة، مثلاً الإمام بن تيمية عندما صاغ خطايا لمعالجة المشكلات الفقهية الموجودة في عصره، كان مجدداً، لكن اتباعه الذين يريدون الآن تنصيب بن تيمية أو غير مرجعية كاملة، يريدون أن يحلوا مشكلات الناس كلها عبر فكر بن تيمية، هؤلاء مقلدون، وكذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب جهوده في الدعوة، لا شك أن السلفية أيضاً أكثر الفرق حرجاً على صفاء التوحيد، وبالتالي هذا شيء جيد، لكن في كل عصر تبرز مشكلات ولها علاج، المشكلة التي نعانيها اليوم، هي التحدي والضغط الحضاري الغربي بهيمنته علينا، وبالتالي يصبح أكثر السلفيين اليوم لا أريد أن أستخدم كلمة تقليدي، قد يكون معناها أحد مما ينبغي، لكن أقول أنهم محافظون، والمحافظ إذا لم يفهم العصر الذي يعيش فيه فإن مصيره هو الذوبان والضياع، وإن رياح العلمانية إذن آتية لا ريب فيها، فمن هنا أكثر أنماط الفكر الديني سواء كان سلفياً أو غير سلفي، كل الذين يرجعون في صياغ نظرياتهم وآرائهم إلى الفكر العباسي، بدون أن.. أن يعتمدوا الكتاب والسنة، لن ينجحوا في مجابهة الضغط الحضاري المعاصر.
ماهر عبد الله: كيف تتهمهم بأنهم لا يعتمدون على الكتاب والسنة، وجوهر منهجهم قائم على اتباع الكتاب والسنة؟ يعني هم لا ينظرون بالضرورة إلى ابن تيمية، كمصدر إلهام أم مصدر وحين وإنما ربما أنه قدم منهجاً معقولاً مازال ساري المفعول وصالح للتعامل مع الكتاب والسنة.
د. عبد الله الحامد: كل السلفيين –وهذا شيء جيد- يرجعون إلى الكتاب والسنة، لكن كون فلان من الناس يرجع إلى الكتاب والسنة، هذه فضيلة، لكن كونه فعلاً يأتي بحلول من الكتاب والسنة هذا هو السؤال أمامك الآن مشكلات معينة، العولمة، حقوق الإنسان، المجتمع المدني، الصناعة، العولمة، الأمم المتحدة، وأنظمتها، كل هذه الأشياء الجديدة، هل في صيدلية ابن تيمية أجوبة لهذه الأسئلة؟ ومن هنا تصبح الحاجة ملحة في العودة إلى الأصول، لأن الكتاب والسنة هما اللذان تعبدنا الله باتباعهما، ثم إن جوهر فكر ابن تيمية ومذهب ابن تيمية، وأحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك وأبو حنيفة، أن..، يمثله كلمة قالها الشافعي تصلح كشعار، "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، إذن التعويل على صحة.. على الصحة، أو كما قال أبو حنيفة نحن رجال وهم رجال، إذن أيضاً ما معنى التجديد في الدين؟ إذا كنا سنرجع إلى أحمد بن حنبل وابن تيمية لمحاولة.. للبحث في صيدليتهما عن علاج لكل داء يمر بنا، هذا توهم، لأن ما.. ما معنى إذن التعبد بالدين، الله سبحانه وتعالى.. الشيء الصالح لكل زمان ومكان ما هو؟ هل هو كتاب ابن تيمية أو كتاب الشيخ الفلاني والعلاني، أم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
يتبع.........