الجزء الرابع :
وبعد غداء الشيخ طلب مني ابنه سليمان شريط الفيديو وألح في ذلك وقال مستحيل أن ينشر كلام والدي لأن فيه ضرر كبير وما إلى ذلك .. فقلت له نستأذن الشيخ فقال : أعرف والدي والله لو استأذنت فلن يمانع ولكن أنا أحدثك للمصلحة العامة وأخذني بمكان منفرد وقال : ضروري أن آخذ الشريط ولما رأيت إصراره قلت له : أبشر ولا يهمك شئ .. فارتاح ثم قلت له بشرط قال : ما هو ، قلت : تمسح إجابة الشيخ التي تراها غير مناسبة للنشر وتعطيني بقية الإجابات وخاصة التربوية لأننا أريدها تبقى لتفيد الغير ووافق ثم سحبته من الكاميرا وأعطيته إياه .. علماً بأني اشتريت الشريط بعشرين ريال – والعوض على الله –
ثم ذهب الشيخ وبقي الأفاضل لتناول الغداء وانصرفوا مشكورين وعندنا مثل يقول ( الأكل على قدر المحبة ) وهذا المثل هو عزائي حيث لم يبق من الطعام إلا القليل !!!
وأذكر إني كنت في رحلة مع الشيخ أبي فواز وهو أحد المشائخ الأفاضل الذين تعتز بهم منطقتنا .. حيث زرنا رجلاً كبيراً في السن من حفظة كتاب الله يرى عليه أثر التقوى والعلم فوضع لنا الرجل الغداء وكنت أول من انتهى فقال الشيخ لي اشبع من طعام الصالحين .. وذكر أن الإمام الشافعي عندما زار الإمام أحمد أكل وأكثر الأكل بطريقة لم يعهدها أصحابه فقال الشافعي – رحمه الله - : أفلا أشبع من طعام الصالحين ؟!!
المهم هذا المثال لا يقاس علي والله سقته لأنه أتى في بالي للفائدة ولو كان الطعام الذي يشبع منه طعام الصالحين فحسب لما أكل أحد عندي طعام ..
المهم ذهب الشيخ ليستريح لأنه في العصر يستقبل الفتاوى إلى صلاة المغرب – حفظه الله –
وسألت منسق الشيخ ( أباعبدالرحمن ) كيف سيفطر الشيخ قال في المسجد يتناول تمرات ثم يصلي ويبدأ الدرس فقلت سأحضر الطعام هذا اليوم ، فقال : لا لأن الشيخ فلان سيحضره ، قلت : إذن غداً قال : أنا سأحضره غداً قلت : إذن يوم الأربعاء ولن أتنازل ، قال : لا مشكلة لأني أحب أن يأكل الشيخ ولعلي أن أنال دعوة منه عنده فطره ولأجل أن آخذ مثل أجر صومه .. وكنت أفكر في صاحب لي يقال له أبو جهاد وهو فاضل وكان يقول لي أتمنى أن أستضيف الشيخ فاتصلت عليه مباشرة وقلت له هل تحب أن تشاركني في إفطار الشيخ : قال والله أتمنى ، قلت له يوم الأربعاء جهز فطورك ولا تخبر أحداً .. فوافق وهو يدعو لي ..
ثم ألقى الشيخ دروسه التي هي كالدرر والثمار اليانعة مجلس فيه جم كبير من الفوائد والنكت وأقوال العلماء كأنك تعيش مع الإمام مالك وهيبته أو مع أبي حنيفة وذكائه واستنباطه أو مع الشافعي وآراءه أو مع احمد في علمه وتقواه .. لا تسمع إلا آيات وأحاديث ونقولات عمن سبق من العلماء وترجيحات يراها الشيخ – حفظه الله –
وإذا حضرت مع درسه في الفجر لا تسمع إلا تأصيلاً في العقائد ورداً على شبهات المعتزلة والأشاعرة والروافض فلله دره ..
ومن الطرائف أني كنت في درس الفجر أستمع لبعض الأسئلة التي تطرح على الشيخ سواء من الحضور أو من الشبكة الإنترنت وكان من ضمن الأسئلة شخص يسأل عن حكم المحادثات في البالتوك ( البرايفت ) بين الرجال والنساء !! فقلت في نفسي ما أجهل هذا السائل وكيف سيعرف الشيخ البرايفت بمثل هذه الأسئلة يسأل بها من دخل وغاص في مثل هذه الأمور مثل الشيخ محمد المنجد .. واكتشفت بعد ذهابي للبيت أن السائل من موقعنا !!
وكنت والله في بعض الدروس أرحم الشيخ حتى أنه ذات مرة تكلم يشرح ويوضح ما يقارب الساعتين ثم الأسئلة وكان يستمع بضعف للأسئلة وكان السائل صوته ضعيفاً بعض الشيء مما حدا بالشيخ أن يطلب من السائل أن يعيد السؤال أكثر من مرة بل وصل بعض الأحيان إلى أن يطلب منه الشيخ أن يعيد كلامه أربع مرات !! حتى أن الشيخ تعب واتضح عليه التعب ولكنه لا يقول للسائل كفى أو نكمل غداً بل ينتظر إلى أن ينتهي السائل من جميع الأسئلة حتى أن الشيخ والله ذاك اليوم تعب وسئل أيهما يقدم في السجود اليدين أم الركبتين فأجاب الشيخ بأن يقول الراكع سبحان ربي العظيم وله أن يزيد سبحانك اللهم وبحمدك .... ومما يلاحظ أن الشيخ أجاب على غير السؤال من شدة تعبه وكنت أتمنى أن أكون قريباً من السائل لأجل أن أنبهه أن يقف عن الأسئلة .. أطال الله في عمر شيخنا ..
وفي يوم الأربعاء طلبت من أحد طلاب الشيخ وهو أبو طلحة الفرنسي أن يزور أهله أهلي لأني اعلم أن المغترب الرجل ربما يجد من يسليه أما المرأة فتتضايق بين الجدران الأربع وتتمنى أن تتعرف وتزور غيرها ,, فوافق ورحب بالفكرة فاجتمعت كثير من الداعيات الفاضلات في منزل أحد الأخوات الفاضلات .. واستضفت الأخ أيضاً على الغداء وكان مدار حديثنا حول الشيخ وسيرته وكنت أستمتع ببعض القصص التي يرويها ويراها .. وكنت أسأله ماذا يحب الشيخ وماذا يكره وما هي الأسئلة التي يحبها ..
ومتى ترى الانزعاج من الشيخ وذكر بعض القصص مثل أن هناك من يسئ للشيخ وذكر ذات مرة أن الشيخ خرج من الدرس متعباً مجهداً في إحدى المناطق وبعدها أتاه رجل وقال يا شيخ انطلق معي للبيت فقال الشيخ اعذرني فقال والله ما أعذرك يا شيخ وأقسم على الشيخ أن يأتي معه للبيت وقال الشيخ كفر عن يمنك ولن أذهب معك ..
وذكر أن الشيخ يحب قصص السابقين والمواقف التي مرت به .. ويذكر كثيراً العلماء الذين التقى بهم ويحبهم ,, وأخبر أنه يحب كثيراً من العلماء وطلبة العلم ويلتقي بهم كثيرا للتشاور ومحبته للشيخ سعد الحميد مميزة وكذلك يحب الشيخ سفر الحوالي كثيرأ والشيخ سلمان ودائما يثبتهم ويدعو لهم ..
وفي مغرب ذلك اليوم اتصلت على صاحبي ( أبو جهاد ) وقلت هل جهزت الإفطار للشيخ قال نعم قلت أحضر البعض وأنا اكمل الباقي وتفجأت انه أثابه الله قد جهز مما لذ وطاب من المأكولات تمر وقهوة وشوربا وفطائر ومعجنات وعصيرات طعام يكفي لثلاثين شخص ولا يلام الأفاضل بإكرامهم للشيخ فهو والله من المحبة التي يجدونها له .. وعندما جاء وقت الأذان وضعنا الإفطار في المسجد في غرفة الإمام حتى يفطر الشيخ وفعلاً قدم الشيخ مع الآذان وكان في الغرفة مكان مهييأ لجلوس الشيخ وكنا قد وضعنا غالب الطعام أمام مكان الشيخ وتفجأنا أن الشيخجلس على الأرض في الطرف على الفرشة ولم يجلس على الآرائك مما جعلنا ننحرج من الشيخ وطلبت منه الجلوس على الفراش المعد ورفض وقال هنا .. ما أجمل التواضع من أهله .. فوالله له رونق وميزة يتذوقها الحاضرون ومن تواضع لله رفعه ... واستغليت الفرصة وقلت يا شيخ أدع لنا والتفت الشيخ لنا وقال ( أسأل الله ان يوفقكم ويجزيكم خير ) ووالله من أجمل اللحظات عندما تجد من يدعو لك فكيف بمثل هذا العالم الإمام ، وأيضاً وهو صائم وعند فطره .. ثم قال أبو جهاد وأقترح أن يزور الشيخ الدكتور عثمان العامر الذي أصيب بطلق ناري أثر خلاف مع شخص آخر .. ووافق الشيخ مباشرة وقال ابنه سليمان بعد الدرس نذهب مباشرة إن شاء الله .. وذهب أخي أبا جهاد وقلت سأوصل الشيخ إلى منزل الدكتور وفعلاً بعد درس الشيخ توجهنا إلى منزل عثمان العامر ووجدنا هناك جمع كبير من العائلة بانتظار الشيخ فدخل الشيخ وسلم وجلس إلى جانب الدكتور عثمان وذكر الشيخ ابن جبرين الدكتور عثمان بالصبر والاحتساب .. وإن ما يصاب المؤمن من مكروه يجده – إذا صبر – في ميزان حسناته .. ثم دعا الشيخ له وأنصرفنا ...
وبعدها كانت هناك مناسبة عشاء أعدها الشيخ عبدالعزيز المحيني – مدير الدعوة والإرشاد – في منزله ورافقت الشيخ وكان الحضور ليسوا بالكثير وكان هناك رجلأ كبيراً في السن يكلم الشيخ ويحدثه عن فساد الشباب وسفرهم للخارج لأجل فعل المحرمات وذكر أن في بيروت آلاف من هؤلاء .. وذكر الشيخ أن هذه مسؤولية الأولياء فكثير من الآباء أهملوا أبناءهم وأعطوهم المال وتركوهم يسافرون للخارج وهم في الغالب يتلوثون بهذه المعاصي ويقدمون وقد انحرفت أفكارهم وعقولهم ..
وفي ليلة الخميس أخبرني أخي الفاضل أبوعبدالرحمن أن الشيخ سنقدم له الفطور في أعلى السمراء وهو منتزه فوق الجبل جميل فيه مكان للجلوس ترى فيها كل حائل من الأعلى ، إضافة إلى أن جوه في ساعات الصباح المبكرة فيها رونق عذب .. وطلب مني أن أرافقهم وبالتأكيد وافقت ..
ثم بعد الفجر وبعد درس الشيخ انطلقنا سوياً .. وسألت الشيخ عن الأذان الذي يسمع غير مباشر سواء في الراديو أو الجوال هل يردد معه ؟؟ فقال الشيخ : نعم يردد معه وهو ذكر من الأذكار ...
وصعدنا إلى العلى حيث وجدنا أربعة من الإخوة بانتظارنا وقد أعدوا المكان لجلوس الشيخ وعندما نزل الشيخ من السيارة تعجب من المنظر وظهر عليه الأنس وقال لماذا تذهبون للطائف وعندكم مثل هذه الأماكن .. ووقف الشيخ كثيراً يتمعن ونحن نشرح له الأماكن وكنا ننظر لجامع خادم الحرمين الشريفين ونريه الشيخ وبعض أحياء حائل القديمة وكأنك تنظر من جو جل .. فعلاً منظر لا يسوءه إلا إهمال البلدية له حيث أنهم بدؤا بأوله وتركوا آخره ولم يكملوه ..
المهم بعد ذلك تكلم الشيخ عن بعض القصص وذكر له أحد الأخوة رجلاً كبيراً في السن تزوج – وكان الشيخ يعرفه – فقال مستغرباً ومبتسماً : فلان تزوج وهو في ذلك العمر ؟!! فقال أحد الأفاضل : ضاحكاً يا شيخ هناك كبار في السن وفيهم نشاط .. وتبسم الشيخ ..
وبعدها قلت إن شاء الله سنختار للشيخ زوجة من بنات حائل فقال ابنه لا تحاول فأبي لم يستطع عليه أهل القويعية – موطن الشيخ – ولم يستطع عليه أهل الرياض ولا القصيم .. واخبرني سليمان ابنه أن الشيخ كانت معه زوجة واحده وهي أم سليمان ثم توفيت وتزوج الشيخ بعد ذلك ...
وتذكرت قصة الإمام أحمد – رحمه الله – انه لما ماتت أم ابنه عبد الله – المحدث - تزوج مباشرة وقال إني كرهت أن أبيت عزبا .. فأنجبت الإمام أحمد صالح -الفقيه –
وسألته عن رأيه في حائل فذكر أنه زار حائل عام 1402هـ ورأى جمعاً من الأفاضل وأحبهم ثم زار المنطقة عام 1408هـ وقال استضافنا قاضي عندكم يقال له مسفر وسأل عنه فأخبرناه أنه موجود ..
يقول وزرت حائل عام 1417هـ ووجدت وجوهاً غريبة وكان رجل دائما يركب معي اسمه ( .......) وذكر الشيخ عنه قلة أدبه وقال أنه أزعجني كل كلامه يا شيخ ليش تمدح الأخوان المسلمون يا شيخ سيد قطب فاسق يقول حتى إني تضايقت منه كثيرا ..
وأنا أذكر زيارته فقد كنت مع أحد الأخوة عندما ذهبنا لبيت الشيخ ونسقنا معه زيارة حائل وتلقفه هذا المتعالم الجاهل المدعي أنه من العلماء .. وهو ولله الحمد الآن ليس له تواجد على الساحة بعدما نجح في تفريق الشباب وضرب الدعوة ..
المهم قال الشيخ هل الجامية خف شرهم عندكم ؟؟؟ قلنا له ولله الحمد قل شرهم بعدما عرف المسؤلين أنهم هم من يشعل الفتن وأخبرناه أن سمو أمير المنطقة متفهم جداً لوضع وحاجات المنطقة وهو بدأ يقرب أهل الخير لديه – نصر الله به الدين – والوشاة في كل زمان ومكان لا يحبون أن يروا التلاحم بين أهل الدين وولاتهم .. منذ سالف الزمان وما سبب سجن الإمام أحمد وابن تيمية إلا أمثال هؤلاء أصحاب التقارير الظالمة المكذوبة .. وذكرنا للشيخ ولله الحمد أننا ننعم بتلاحم كبير مع أميرنا وهو يحب أهل الدين .. ورجل صاحب شخصية قوية .. أسأل الله أن يجعله سلماً لأوليائه حرباً على أعدائه ...
وحدثنا الشيخ بعض القصص أن في إحدى قرى الجنوب كان هناك مجموعة من تجار المخدرات والذين لا يعرفون الصلاة طرفة عين فأتاهم مجموعة من الإخوة التبليغ ونقلوهم من الضلال للهدى وأصبح تجار المخدرات من أكثر الناس عبادة وتقوى وصلاح .. حتى تعجب الناس من هذه النقلة وأصبح هؤلاء مع التبليغ يقول فأتاهم أحد مشائخ الضلال – الجامية – واخبرهم أنهم لو كانوا على المخدرات أهون من كونهم مع التبيلغ وأن الله لن يقبل أعمالكم !!! يقول الشيخ بتحسر وبعد ذلك ترك هؤلاء العبادة وتركوا الصلاة ورجعوا للمخدرات .. وذكر قصصاً كثيرة عنهم ..
وقال الشيخ وبعد ذلك زرنا حائل ورجعت الوجوه الطيبة وأحببناها وأحببنا اهلها .. وأصبحنا نرتاح فيها ولأهلها ..
ووضع الطعام للشيخ وأكثره من الطعام الشعبي ... ثم أكل الشيخ – حفظه الله – وانطلق بعدها ليرتاح في سربه ... علماً أننا بعد الظهر سنأخذ الشيخ جولة إلى بعض قرى حائل مثل الخطة والقاعد
المهم أختصرت كثيراً لأني أكتب هذه الكلمات وأنا على سفر .. ولعلي اكمل لاحقاً بإذن الله
يتبع بإذن الله