الحجاج بن يوسف الثقفي .. اسم أسود في تاريخ الحكم الإسلامي .. حكم العراق فسار في الناس بالتهمة لا يتورع عن سفك دم المسلم .. ويقال أنه قتل من أهل العراق أكثر من مئة ألف صبراً .. أي يأمر بقطع رؤوسهم ..
خرج على الحجاج ابن الأشعث ومعه العلماء والعامة من أهل العراق .. ومن العلماء " الشعبي ،ومجاهد،وسعيد بن جبير " وخلق كثير غيرهم ..
وبعد أن ظفر الحجاج بابن الأشعث والذين خرجوا معه ،أمر بإحضار كل واحد منهم .. وكان يأمر الذي يدخل عليه بأن يعترف أنه كفر حينما خرج على الحجاج .. فتأول بعضهم وآثر بعضهم الدنيا فأقر بالكفر .. وأبى بعضهم فأمرالحجاج بقطع رؤوسهم وكان من هؤلاء " سعيد بن جبير " التابعي المعروف ،وكان ابن جبير آخر من قتله الحجاج من أهل العراق حيث اعتل بعده الحجاج ومات ..
وكان الحجاج صحيح العقيدة ،لكنه كان سفاحاً .. فما ذكره الناس بخير ،لأنه لم يكن يملك من صفة الحلم درجة أكثر من الصفر .. ولذلك عده كثير من المؤرخين من خبثاء هذه الأمة .. حتى أن الإمام الذهبي حينما ترجم له في كتابه " سير أعلام النبلاء " كان أول عبارة كتبها " هلك سنة .. " وهذا يدل على السيرة السوداء التي يذكر فيها الحجاج .. وقد مضى الحجاج وبقيت سيرته السوداء ..
على النقيض من الحجاج كان الخليفة المأمون .. وهو خليفة عباسي إذ هو سابع الخلفاء العباسيين .. اقتتل المأمون مع أخيه الأمين فغلبه على الحكم .. وقد كان المأمون حليماً .. حتى روي عنه أنه يقول " لقد حُبّب إلي الحلم حتى خشيت أن لا أؤجر عليه " ولما مكّنه الله من الحكم عفى عن كل الذين ناصروا أخاه ضده وكانوا يعدون بعشرات الألوف ،مع قدرته على الانتقام وهنا يظهر الفضل ـ العفو عند المقدرة ـ ..هذا الحلم جعله يحقد على قائده ( طاهر بن عبد الله ) الذي مهد له الحكم وقضى على جيش أخيه ـ حقد عليه المأمون لأنه قتل أخاه ـ الأمين ـ قتلة شنيعة ،فانتقم المأمون من قائده وسجنه وأمر بقتله .. والمأمون هو الذي جاء بفتنة خلق القرآن .. وفي آخر عهده تشيّع ، وكان يريد أن يولي الإمام " الفضل " الخلافة .. ولكن اعتراض العباسيين حال دون ذلك.. وحين يذكر المأمون يذكر بخير لصفة الحلم العظيمة التي تحلى بها .. فيقال الخليفة " عبد الله " المأمون " أمير المؤمنين رحمه الله " .. في حين أن الحجاج يقال عنه " الحجاج بن يوسف .. والي العراق قبحه الله "
فانظروا إلى فضل صفة " الحلم " التي جعلت المسلمين يثنون على من ابتدع في دينهم لاتصافه به .. ويذمون من لم يتحلّ به وإن كان صحيح العقيدة ..
فلا غرو إذاً أن نسمع أن الملك عبد الله قد عفا عن الليبيين اللذين اتهما بمحاولة اغتياله حفظه الله .. والعفو هنا لا عن ضعف بل عن مقدرة وهذا هو العفو الذي يثنى على فاعله ..وإذا كان الحجاج تميز عن المأمون بصحة العقيدة وتميز عنه المأمون بصفة الحلم فإننا نرجو أن الملك عبد الله وفقه الله ـقد جمع بين صحة العقيدة ،والحلم .. ولا نزكي على الله أحداً ،ونسأل الله أن يطيل في عمره ويحسن عمله .. فما كاد يتولى حتى صفح عن المسيء ووسع المخطئ ..وعفى عن المذنب .. وأعني بذلك الليبيين اللذين اتهما بمحاولة قتله .. ليقول لهم : أنا أكبر من سفاهتكم .. وحلمي يسع جهلكم ..أما عفو الملك عبد الله عن الإصلاحيين فهو تصحيح لخطأ ارتكب بحقهم وليس عفو عن مذنب ..