أصدرت مجلة البيان سلسلة من الإصدارات منها "القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب" من تأليف الدكتور محمد بن عبدالله السلومي وقدم له الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حيث يتناول الكتاب موضوع (الحملة الظالمة على المؤسسات الخيرية الإسلامية واتهامها بالإرهاب) وقال الحصين ان عناوين الكتاب ومحتوياته تعالج موضوعه بسعة وشمول حيث أوضح عن الدوافع الحقيقية وراء الاتهام الظالم، ومظاهره ونتائجه الواقعة والمتوقعة ولا شك ان الجهاد في سبيل الله ولا سيما في مثل هذا العصر الذي ربما لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية من حيث القوة القاهرة لسلطان التضليل وتشويه الحقائق وإلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق.وقال ان تكنولوجيا الإعلام وتصريحات السياسيين وكتابات المثقفين قد خلقت فتنة دجالية تشبه الدجال الأكبر الذي يأتي آخر الزمان وهذا الوضع يقتضي الاستجابة للحاجة الماسة الملحة إلى مقاومة الفتنة والتصدي للدجل ونصر الحقيقة لهذا جاء هذا الكتاب خطوة في هذا السبيل.
وأشار الحصين في مقدمته أنه على أثر الهجوم الإجرامي الفظيع على برجي التجارة في نيويورك في 11سبتمبر 2001م قدم تفسيراً واحداً لهذا الحدث المروع وبنى على أدلة هشة ومعلومات متضاربة وبالرغم من ان كل هذه الأمور تصلح أدلة للنفي أكثر من صلاحيتها أدلة للاثبات فقد فرض على العالم قبول هذا التفسير ورتبت عليه تداعيات خطيرة من بينها ما كان التخطيط له معلوماً قبل الحادث.
وكان من بين هذه التداعيات الغارة بالقول والفعل على المؤسسات الخيرية الإسلامية واتهامها بالإرهاب. وأوضح الحصين أنه قبل تاريخ 11سبتمبر 2001م كانت هناك حركات عتق في (سنكانح) و(كشمير) و(الشيشان) تظهر في تصريحات السياسيين وفي لغة وسائل الإعلام على أنها حركات مقاومة أو حركات انفصال أو على الأسوأ من ذلك حركات تمرد.
وفجأة تغيرت لدى وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين في الغرب حقيقتها فصارت تسمى حركات إرهاب وصارت المؤسسات الخيرية النشطة في مجال العمل الإنساني للتخفيف عن معاناة ضحايا هذه الحركات تتهم بمساعدة الإرهاب وتلاحق بهذه التهمة.
ولقد أجاد معالي الشيخ صالح الحصين في تقديمه لهذا الكتاب حينما وصف أحداث الحادي عشر من سبتمبر "بأنها هجوم إجرامي فظيع" من حيث الدور الجهنمي الذي لعبته القوى الخفية بالتخطيط للحدث واستثمار غرمه وغنمه وخاصة في مراحل ما بعد الحدث.
ولقد تضمن هذا الكتاب خمسة أبواب الباب الأول تعريف ومفهوم الإرهاب.
تقول الموسوعة الأكاديمية الأمريكية في تعريف الإرهاب:هو الاستعمال المحسوب لأعمال العنف أو التهديد بها بما فيها من قتل وخطف وتفجيرات لتخويف الناس واخضاعهم. وعادة ما يكون بغرض تحقيق أهداف سياسية معينة عندما يستعمل الإرهاب من قبل الحكومات أو قوات احتلال يكون الإرهاب من هؤلاء وسيلة من وسائل النزاع الخانق ويؤدي لتصفية المقاومة ويعضد من سلطة هذه الحكومات أو المحتلين.
أما الموسوعة العربية العالمية فتقول عن الإرهاب أنه استخدام العنف أو التهديد لإثارة الخوف والذعر. يعمل الإرهابيون على قتل الناس واختطافهم كما يقومون بتفجير القنابل واختطاف الطائرات واشعال النيران وارتكاب غير ذلك من الجرائم الخطيرة وأعظم الإرهابيين يرتكبون جرائمهم لدعم أهداف سياسية معينة.
وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي تعريف للإرهاب بأنه: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان (دينه، دمه، ماله، عقله، عرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة واخافة السبيل وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أموالهم للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض كما قال تعالى: {ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين}.
والإرهاب هو بغي بغير حق قال تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وان تقولوا على الله ما لا تعلمون}. حينما رأت روسيا نشاط الجمعيات الخيرية العربية الإسلامية في ميادين الدعوة والتعليم وتصحيح العقيدة والمفاهيم ولاحظت بعد سنين من عمل هذه المؤسسات بعض الآثار والنتائج الإيجابية لصالح الأقليات المسلمة، سعت إلى إيجاد أسباب لاقصاء المؤسسات وضربها ومصادرة أملاك بعضها ومنع بعضها من العمل وكان ذلك بعد حرب الشيشان الثانية 1999م وتم ترحيل العاملين فيها وإجلاء بعض النشطاء العرب من مناطق روسيا المتفرقة تحت دعاوى الإرهاب. كما مارس الإعلام الروسي دعوى الإرهاب على المسلمين قبل أمريكا ولا يزال يمارسها بسبب السيطرة الإعلامية اليهودية الكبيرة عليه في هذا الجانب بالذات مع عدم اغفال العداء التاريخي للإسلام والمسلمين ولكن الإرهاب المعني في هذه الدراسة هو الإرهاب الأمريكي لأن غيره قد أصبح تبعاً له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لماذا هذا الكتاب؟
إن هذا الحدث التاريخي - وليس السياسي والعسكري - الذي وقع كانت له انعكاسات كبيرة، وآثار وتداعيات سلبية ضخمة، على الصعيد المعنوي والمادي لأمريكا بدرجة أولى، وقد انعكست تلك التداعيات سلباً على العمل الخيري في العالم العربي والإسلامي بل خاص، وهذا يؤكد ضرورة التشخيص العميق، ودراسة الأبعاد التاريخية والعقدية لأمريكا ذاتها، والتي تزعمت هذه الحملة، واختلقت هذا الافك، وتولت كبره وطارت به في كل مكان، بشكل جعل كل بصير يدرك ان المؤسسات الخيرية وأعمالها مقصودة، بذاتها بغض النظر عن الحدث.لقد خسرت أمريكا شيئاً كثيراً من نظامها الديموقراطي بسبب ردود الأفعال التي برزت، ومنها ما حدث تجاه المؤسسات الخيرية الإسلامية داخل أمريكا وخارجها، وان التشخيص لجوانب هذه الحملة ومعرفة الدوافع والأهداف سوف يشكل - بإذن الله - معظم الرؤية المستقبلية لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي، والتعامل مع دعاوى الإرهاب المزعوم.
ولعل أبرز جوانب الأهمية تتضح من خلال النقاط التالية:
1- إن العمل الخيري الإسلامي شيء أساسي في الإسلام، وليس أمراً جانبياً أو ثانوياً، وليس معرة تنكر، أو تهمة تدفع؛ فكما ان المسلم مطالب بالركوع والسجود والعبادة، فهو مطالب بفعل الخير وبصفة جماعية مؤسسية، وقد ورد فعل الخير بسياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله في قوله تعالى: {يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (77) وجاهدوا} (الحج: 77، 78)، كما أمر - سبحانه وتعالى - بالدعوة إلى فعل الخيرات إضافة إلى فعله {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران: 104)، وربط - سبحانه - بين أداء الصلاة حقاً لله، واطعام المساكين حقاً للضعفاء فقال تعالى: {ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44)} (المدثر: 42- 44)، {أرأيت الذي يكذب بالدين (1) فذلك الذي يدع اليتيم (2) ولا يحض على طعام المسكين (3)} (الماعون: 1-3). فالأهمية تأتي من حيث القيمة الذاتية للعمل الخيري إفادة واستفادة وما يترتب عليه كذلك، لأن العمل الخيري جزء من عقيدة وعبادة الأمة، ومنه ما هو فرض عين، وما هو فرض كفاية، وما هو واجب، وما هو مندوب، ولا يمكن للأفراد أو الأمم أو المؤسسات أو الدول ان تهمش هذا العمل
الجليل أو تتخلى عنه وهو جزء من دينها وعقيدتها وعبادتها.
2- نجاح العمل الخيري ومؤسساته يعتبر مقياساً وتقويماً لمستوى الأمم والأفراد والدول، وعاملاً من عوامل التوازن والتكامل بين الأغنياء والفقراء سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً، كما أنه يعتبر صمام أمان وأمن وقائي بين المجتمعات، والدول، وبين الدول ذاتها، حيث يساعد على تقليص الجريمة، ونزع مخالب الشح والتحاسد من الأفراد والمجتمعات، وبالتالي تعود ثماره على القاصي والداني، بل حتى على أمريكا ذاتها، والتي رفعت راية الحرب عليه، كما يحقق العمل الخيري من خلال برامجه وأعماله ما تعجز كثير من البرامج السياسية والعسكرية للدول عن تحقيقه.
3- إن العمل الخيري ومؤسساته الناجحة يعتبر من أهم مقومات نجاح الإدارة للدولة الحديثة، فقد أصبح عند دول الشمال وبع دول الجنوب والأمم المتحدة يعتبر القطاع الثالث من قطاعات التنمية، بحكم ما يترتب على فعالية هذا القطاع من توازن سياسي واقتصادي واجتماعي، وكبح لجماح القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص (التجاري)، حيث يشكل العمل الخيري مقوماً أساسياً من مقومات توازن ونجاح ونجاح المجتمع والدولة بتواجد وقوة (مؤسسات المجتمع الأهلى).
4- إن العمل الخيري بحكم ما سبق يعتبر من خطوط الدفاع الأولى للدول والأمم، والاجهاز على هذا الخط الدفاعي بحملات التشويه أو التشكيك أو الاضعاف والتحجيم، يعتبر اجهازاً على أهم قوة من القوى المساندة لأي دولة ولأي مجتمع، والحملة بهذا وذاك تعتبر بحق حملة على قضية عامة تشترك في غرمها كل القطاعات الثلاثة من قطاعات التنمية (القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الخيري)، كما أنه للأسف لا توجد مجالس أو هيئات عليا خيرية أهلية قوية على مستوى العالم العربي أو حتى دول الخليج، تدافع عن المؤسسات بقرارات وإجراءات ومؤتمرات ودراسات لحماية العمل الخيري، وممارسة الضغط الكافي على منابع تلك الحملات، وذلك على غرار المجلس الأوروبي للعمل الخيري الذي تمت ولادته مع الوحدة الأوروبية الاقتصادية والاتحاد الأوروبي السياسي، ويسمى المجلس (CEDAG) المتخصص بدعم وحماية العمل الخيري ومؤسساته، أو على غرار ما هو موجود في أمريكا، كمجلس الرابطة الأمريكي لتنمية الموارد والوقف الخيري (AAFRTP)، والقطاع المستقل (IS) وغيرها من المجالس واللجان العليا.
ومؤسسات العمل الخيري تعتبر حقاً عاماً، لها شخصيتها الاعتبارية، ولها قوتها الشرعية التشريعية والقضائية، كما أنها تمثل وتحقق أسمى وأنبل حق من حقوق الإنسان المعطي والآخذ بحكم رسالتها في التمكين لكل إنسان من الحياة الكريمة.
5- ومن خلال الأهمية السابقة فإن عدم تجاهل الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على المؤسسات الخيرية الإسلامية أمر أصبح في غاية الأهمية، لأن أعمال المؤسسات اوالحملات العلامية عليها ليست سراً من الأسرار، وليست قضية خاصة أو مؤقتة أو طارئة، وكل ذلك يستوجب العمل والاسهام في دراسة واستقصاء الدوافع والأسباب، فالتشخيص نصف العلاج إن لم يكن كله، خاصة ان الحملة على المؤسسات الخيرية تعدت إلى كل ما ارتبط بها منمصارف أو بنوك إسلامية، وشخصيات محسنة، ومؤسسات خيرية مانحة، وطالت معظم - إن لم يكن كل - الدول، ولم تقتصر على نوع دون آخر، فشملت الإغاثية والدعوية والتعليمية والعلمية، حتى كأن الحملة أصبحت توحي بأن اضعاف أو تحجيم المؤسسات هدف بحد ذاته. في حين ان الشواهد تقول ان هذه الحملة لا تصح، ولا مبرر لها.
6- إن الإعلام الأمريكي بحكم قوته وانتشار وسائله التي تغطي القرية الكونية مكاناً وزماناً، إضافة إلي تبعية غيره له، قد مارس إرهاباً وتهويلاً وترويعاً لحمائم السلام (المؤسسات الخيرية) والعاملين بها بدعوى مكافحة الإرهاب حتى شاركت تلك الوسائل بصياغة وبرمجة العقول البشرية وتنميطها، فتناغمت أرجاء الكرة الأرضية رغباً ورهباً لتسهم في تحقيق الأهداف التي برز معظمها بشكل واضح من خلال الآثار والنتائج، ولا سيما أنها تطورت في بعض المواقع إلى حرب لا هوادة فيها من تجميد أو مصادرة للحسابات، أو اقفال والغاء للمؤسسات أو فروعها، أو مراقبة مستديمة تنفر من العمل الخيري والتطوعي، أو سجون تمارس فيها أنواع التعذيب كما حدث لبعض منسوبي الإغاثة في أفغانستان، ثم في كوبا، وكما حدث من قبل القوات الإيطالية التابعة للايفور (E-FOUR) في كوسوفا، وغير ذلك كثير من انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته ومعتقداته الأساسية، وعلى الرغم من هذا التهويل الإعلامي فإن كثيراً من العقلاء والراصدين جعلوا يعيدون النظر في مصداقية كثير مما كان يعتبر حقيقة من الحقائق ومسلمة من المسلمات، نظراً لفقدان المصداقية في الإعلام الأمريكي وفقدان اللغة الوثائقية له واعتماده على قوته
التي تفرض الأخبار وتفسيرها ولا تقنع بها.
ولقد أدت - ولا زالت - هذه الحملة إلى زعزعة ثقة بعض الحكومات في المؤسسات الخيرية، بل نزعها أحياناً، مما انعكس بالسلب عليها، وأدى إلى احجام رجال الأعمال والمحسنين عن العطاء والدعم، وهو ما ينذر بالخطر الذي يحتاج إلى جهود جادة لدفعه بعد كشف الشبهات وابطال الدعاوى.
والكتاب دراسة علمية وثائقية لكل المعنيين، وهي رسالة لاسقاط دعوى المدعين، وإزالة للالتباس عند المتشككين، ودعم لكل الواثقين بأن الحملة الأمريكية الدولية لا تعدو ان تكون حرباً نفسية إعلامية، تفتقد لأبجديات الدليل والتوثيق، وترمي لتحقيق أهداف غير معلنة ولكن تكاد تكون واضحة.
والمؤلف يريد التواصل ومزيدا من المعلومات.ارجو نشرها في المنتديات