لم تشفع لي تسع سنوات قضيتها صديقا مخلصا ومؤدبا لإبرة (الإنسولين) أن أسلم من غدرها في يوم حار من أيام العاصمة، يومها تذكرت نصائح عضو قديم في نادي (الحلوين) -وصف الدلع لمرضى السكري- بأني أتعامل مع صديق (نذل) يتحين الفرص للغدر برفيقه وإن طالت العلاقة والصحبة، فعند الغفلة ستجده أشهر سيفه فتكا في جسدك!.
الصدمات في كثير من الأحيان موجعة، ولكنها تحيي حالة السكون التي تعترينا وتحولها إلى يقظة وإن جاءت متأخرة، وصدمتي الموقظة كانت بعد فقداني للوعي داخل سيارتي لمدة ثلاث ساعات بسبب هبوط مستوى السكر في الدم، ومحاولات الناس إخراجي من لحظة الفقد التي أبت التقنية الحديثة إلا الحول بيني وبينهم بسبب القفل الأتوماتيكي لأبواب السيارة بمجرد تحركها، الأمر الذي استدعاهم إلى الاستعانة برجال الأمن الذين حاولوا جاهدين بعد أن دفعتني حلاوة الروح إلى فتح باب السيارة، وأنا أسمعهم دون قدرتي على مجرد تحريك رأسي يتساءلون ويسألون «وش فيك؟»، وكانت تحليلاتهم «أكيد شارب شي.. افتح الشنطة»، «خذ جواله واتصل على أي واحد»، وتمنيت أن تمتد يد واحد منهم إلى محفظتي كوني أحتفظ بالتعريف الذي يحمله كل مريض بالسكر فيعلم العلة ويبادر بالحل، أو يكفوا عن مجلس التحليل ويبادروا باستدعاء الإسعاف أو نقلي لأقرب مستشفى، ولم تنقذني إلا (إبرة الإنسولين) الغادرة بي ولفتها لانتباه أحدهم، فأسرع بجلب كيس من الحلويات كان له فضل بعد الله في إعادتي إلى الوعي، ثم نقلي إلى المستشفى.
30 في المائة مصابون بالسكر بنوعيه في مجتمعنا، بمعنى كل ثلاثة أشخاص بينهم واحد (حلاه زايد)، وما زال المجتمع يتقلب في نمطه اليومي والغذائي و(الكروش) أصبحت علامتنا الفارقة عن بقية المجتمعات، ونحلف الأيمان على (المفاطيح) أن تضرب بخمسك وبعدها (نتسدح) تحت المكيفات، ونعشق المواقف القريبة من المكاتب والمجمعات لئلا تتحرك الأقدام المكتنزة، فالرياضة لانعرفها إلا على التلفزيون، ثم نعطف كثيرا على طفل يحمل حقنته مع أصحابه ليتعاطى الإنسولين، وننسى أن مشهد التعاطف سيتحول إلى (عادة) إن كنا في غينا عامهين، ومجتمعنا خال من التوعية والحملات أو الإرشادات أمام هذا (الوباء) فحتى انضمامنا إلى نادي الـ(5) الكبار في معدلات الإصابة العالمية لم يحرك في الجهات المعنية شيئا، وكأنهم ينتظرون أن يقطر المجتمع من شدة (الحلى)، مقابل مرضى يدفعون شهريا 800 ريال نظير جرعات الإنسولين وشرائح القياس، ويمنحون -في الأخير- بطاقة حمراء تدس في الجيوب بدلا من إشهار الوباء وإعلام المجتمع بخطره.
الخبوبي
العرض العادي
