للمزاح حدود
لا بد أن أغلبنا تعرض في يوم من الأيام إلى ما نسميه بالمزح ذي العيار الثقيل ، أو من النوع الذي يفجر ما بالنفس من مشاعر تكون غالباً مكبوتة تنتظر الشرارة لتنفجر .
لا أقول أو أدعو إلى تجنب المزاح مع الآخرين، فالنفس البشرية تحب المزح والمرح وخصوصاً أن ضغوطات الحياة اليومية تدفع بالمرء دفعاً إلى أن يقضي بعض الوقت في المزح البريء غير الجارح أو الهادم للعلاقات والمشاعر .
هناك من البشر من اعتاد أن يمزح مع الآخرين بشكل مستمر حتى يكاد يتحول المزح عنده إلى عادة تقريباً . وحين يصل المزح إلى عادة ، يكون المازح قد دخل مرحلة حرجة وخطرة في نفس الوقت دون أن يشعر . فتراه وبحكم اعتياده على ذلك ، يتطور في تخطي الحواجز الطبيعية المعروفة للإنسان . إذ أن لكل منا حدوده الطبيعية لا يحب أن يتخطاها أحد ً ما لم يكن مؤهلاً لذلك .
هناك من الناس من لا يعترف بتلك الحدود أو يدركها ، فتراه يكرر المزحة والأخرى مع شخص معين على سبيل المثال ، ويبدأ يتعدي الحواجز ويتطور في المزاحات . وقد يظن المازح أن الأمر مقبول بالنسبة لمن يمزح معه ويكرره ، وهو لا يدري أن بتكرار المزاحات ينشأ عند الممزوح معه شعور بعدم الارتياح ولو لم يبد ذلك عليه ، لكن كما ذكرنا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تكرار المزحة وتطورها أيضاً حتى تصل إلى النقطة التي لا يحسب لها المازح أي حساب وتكون هي بداية النهاية للعلاقة وتوترها وربما قطعها فوراً .
على أن أسوأ المراحل التي يمكن أن تصل إليها المزحة هي استخدام اليدين فيها ، حيث أنهما ها هنا مثل الصاعق الذي يفجر القنبلة أو الشرارة التي تولد ناراً عظيمة محرقة .
ولهذا مطلوب منا في علاقاتنا مع الغير عدم المبالغة في المزح حتى لو كان مع أعز الأصدقاء والمقربين ،مع ضرورة تجنب استخدام اليد وخصوصاً مع من لا تكون العلاقة قد وصلت معه بعد إلى الدرجة القريبة من الكمال والتمام .
وأحسبك الآن أيها القارئ الكريم وأنت تقرأ هذه الكلمات ، وقد مر في ذهنك شريط طويل من الذكريات السابقة في مجال المزح مع الآخرين ، سواء المقبولة أم عكسها ، فتحاول أن تحافظ على حدودك في هذا الأمر وتتجنب الخوض أو الوقوع في المزاح الثقيل سواء كان باللسان أو باليد .. فالعلاقات الإنسانية صعبة في البناء وسهلة في الهدم ، أو كما هي نظرية الهدم والبناء .