حكايات من ذاكرة المدينة (1)

[ابن أبيه]

.




هذه مجموعة من الحكايات التي اختطفتها ذاكرتي من أجزاء مظلمة وأخرى مضيئة من ذاكرة مدينتي بريدة التي لا أجد أي سبب يدفعني لبغضها أو لمحبتها والتعلق بها .
في هذه الأقاصيص ؛ الأسماء فقط غير حقيقية ..

[align=center]( ليلة القانون )
بريدة : 1398هـ [/align]

مكتنزة الجسم لكن ليس إلى حد أن تكون سمينة ، جسدها البض المفتول لا ينم عن حياة الفلاحين التي يحياها أهلها ، دائمة الابتسامة ، نكتها الظريفة ومقالبها وقفشاتها قادرة على خلق البسمة على أكثر الوجوه وجوماً .
لا زلت أتذكرها في ثوبها الروز الأزرق الغامق الذي تتناثر عليه نقوش حمراء لزهرة متفتحة ، كانت مزنة تخطر بثوبها الأزرق وتمرر يدها المكتنزة على صدرها وخصرها ، وتبتسم نصف ابتسامة وهي تشاهد علامات الدهشة والإعجاب في وجوهنا الصغيرة ونحن نشاهد محتويات ( الروشن )
الدوشق الكبير ، والوسادة المطرزة بعبارة ( أحلام سعيدة ) ، والطشت المخصص لوضوء وغسل العريس وعروسته ، ورائحة البخور الجاوني التي تعبق بها الغرفة الطينية التي تم استحداثها في ( الطاية ) من أجل هذا العرس خصيصاً .
كانت تلك اليلة ليلة ( القانون ) والشمس تميل للغروب ولم تكن ماكينة الكهرباء التي تنير بيوت القرية قد عملت بعد .
الاستعدادات لليلة القانون لم تكن كبيرة ، حيث إن هذه الليلة هي ليلة الزواج الثانية حيث يتم ( العرس ) في بيت أهل العروس ، ثم ( الرحيل ) في بيت أهل العريس في الليلة الثالثة، ويقدم في كليهما الطعام ، أما الليلة الثانية التي هي ( القانون ) والتي كانت مخصصة للنساء فقط ولا يدعى إليها إلا الأكثر قرابة فلم يكن يقدم فيها سوى الحليب فقط ، وكانت هي الليلة المفضلة بالنسبة لي في ليالي الزواجات فلطالما أحببت الحليب المحلى المغلي والمحلى بالسكر الذي يقدم في مثل هذه الليلة .
كنت أحاول استراق السمع من أمي وهي تنظر إلى العروس وتحادث خالتي بوشوشة لم تخل من خبث نسائي لم أفهم معناه إلا بعدما كبرت .
كان أهلي في غاية السعادة ، ولم أكن أفهم لماذا يشعر الناس بالسعادة عندما يتخلصون من بنتهم ، لكنني لم أشغل نفسي بالتفكير كثيراً حيث كنت مشغولاً باللهو مع الصغار في الفرجة على ذبح ناقة العرس ، وترديد الأهازيج حول ( عيسى الطباخ ) واللعب بنار القدر الكبير جداً والموضوع على كرسي من الحديد مثبت بإحكام فوق جذوع الأثل المشتعلة .
كنا نلعب بالنار ، فيهجم علينا فجأة بـ( ملاسه ) الضخم فنهرب مرددين :
أبو جوهر .. أبو جوهر .. أبو جوهر ..
وكنا نضنها شكلاً من أشكال السب ، إلى أن اكتشفنا لاحقاً أنه اسم ابنه البكر ، فخاب أملنا باستفزازه .
وين العريس ؟ وراه ما صلى معنا الفجر ؟
قالها ابن خالتي لأخيه الأكبر مندهشاً ، والذي أجابه :
العريس مهب لازم يصلي العصر يا ( دبشه )
التقطت الحوار متعجباً !!
لماذا يضربنا والدي من أجل صلاة الفجر في المسجد ، بينما بإمكان العريس أن يتركها دون أي سبب ؟؟
ظل هذا السؤال في ذهني عصياً على الفهم ..
لكني أدركت بعدما كبرت أن هذه أحد التناقضات الكبرى في ثقافة مدينتي ، إنهم يمنحون صكوك الغفران لكل الأشياء التي تعودوا عليها ..
لكنهم يحاسبون بغاية القسوة عندما يختلف الأمر مع ما تعودوا عليه ، ويعتبرونه منكراً عظيماً ..
(( من يملك القانون في أوطاننا
هو الذي يملك حق عزفه ... ))

[ابوخالد382]

أخي العزيز والمبدع ,,أولا تحياتي لك ولهذه الذكريات الجميلة والتي أرجعتنا سنينا للوراء ,,,,الدوشق والروشن والطايه والبخور الجاوني ووليمة العرس عصرا , أيام لاتنسى أبدا .
عموما صورت الواقع القديم وكأنك إلتقطتها بكاميرا ...
لعلك تلتمس العذر لهم لجعل العريس لايصلي جماعة في صلاة الفجر والسبب هو الجهل المتفشي في ذلك الوقت ..........دمت بخير ولاتحرمنا باقي عبق الماضي

[سارة عبدالعزيز]

[align=center]كان الدين يسري في عروقهم وفي المقابل
كانت الرحمة لها مفعولها
فوقت يصليه عند زوجته ربما يرون لا بأس به
يعني لا تدقق,,,
فوقتك فاضـــــــــح !!
الناس في هالوقت تترك الصلوات لأوقات عدة
جماعة ,,,,

إذا كنت تمتلك ذكريات جميلة عن ذلك الجيل
لماذا لم تذكرك الحزم مع من يتخلف عن صلاة
جماعة ؟![/align]

[ابوخالد382]

لروعته تم رفعه

[آمـــال]

(( من يملك القانون في أوطاننا
هو الذي يملك حق عزفه ... ))



كلمة رائعة



الحديث عن الماضي حديث عذب وشائق


ويصبح أكثر عذوبة عند تصحيح أخطاء ومفاهيم رسخت



وإلا فما الفائدة من اجترار الذكريات..!!!؟؟؟؟



ابن أبيه.. قلمك رائع وأسلوبك سلس جميل



أستودعكم الله

[ابن أبيه]

شكراً لكم جميعاً لمروركم
وأعتذر إن كنت أضعت وقتكم بمشاهدة هذه الهواجس .
قراءاتكم الواعية للنص ( حتى وإن اختلفت معها ) تدفع لمزيد من المراجعة .

أنا ممتن جداً و ( محرج ) للقب التميز الذي ( صدقته ) ورجعت لقراءة المقال مرة أخرى لأتأكد ..
أيا ما يكن الأمر ، فهو يشجعني و ( يسعدني )

[إشراق]

يانا استمتع بحكايات الماضي

ابن ابيه أتمنى ماتنقطع

ويستاهل الموضوع التميز

[إنتقام الوردة]

[align=center],
.
.
.
ستكون هنالك أذن تصغي إليك..
روض قلمك كيفما تريد..

..
لك خالص تحيتي..[/align]

[فيصل22]

موضوع رائع جدا جدا لهذا العضو المميز
حقا
كم نحن بحاجة لمثل هذه الذكريات
اتمنى لك التوفيق
ومزيدا من الابداع
فيصل 22

[عبدالله الحلوه]

ابن ابيه

كنا ولازلنا نتلقف بعض العادات كمسلمات لايسمح لنا حتى بالتفكير بمنطقيتها وليس ذلك إلا حرصاً منا على سلامة الدين وليتنا كنا ندرك بأن كثيراً مما نمارسه هو الخدش الحقيقي لما نحاول المحافظة عليه


تقبل تحياتي

[الكبري]

صورة رائعة تمثل فترة من الزمن زين هذه الصورة كلمات أصبحت تراث .

أما القانون لعل الزمن تكفل بتعديل شيء منه .

على أن هناك أحكام اجتماعية تظعك في حيرة أبدية من تناقظها .

ابن أبيه سلمت يداك .

لك وافر تقديري .

لكم أطيب المنى

[شديد الملاحظة]

الأخ الكريم : ابن أبيه

أجد متعة خاصة في قراءة التفاصيل الدقيقة للكتابة القصصية التي تلتقط مشهدا بعدسة مكبّرة .. كما أعتبر أن إبداع الروائي يتجلّى في استظهار هذه التفاصيل والإيحاء بشكل غير مباشر لرمزيتها .. ومن أجل هذا أحييك بإكبار وأنتظر مع الآخرين بقية حكايا المدينة ..

تعليقاً على تعليقك : هناك مثل شعبي يقول : من مسك الربابة غنىّ .. الحالة الأسوأ هي عندما يمسك الربابة من لايجيد فن العزف ويغني بصوت نشاز .. وفي مجتمعنا النبيل هناك مطرب لكل مواطن .. في حين لايوجد ذائقة فنية ناقدة لكل مستمع ..

تقبل تحياتي ..

[عجوز سمنسي]

ابن ابيه:

ياحبيلك خشتك بعد

ياخي طيب وراك نسيت الروشن والبلاوي الي تصير فيه

ايام الدور والعريس والعروسة

كانت ايام وبلاوي متلتله فيه

بنات الجيران بس يطمرن من فوق الجدار وين امي وين زوجتي

تقسيمات اجتماعية لازلت احن اليها

[فور يو]

روشن , طايه , مجبب , طرمه , وغيرها كثير من الكلمات التي تذكرنا بطفوله ولا اجمل ...

الموضوع فيه تسلسل رائع في السرد , لايجيده إلا الأقلام السامقه و ابن ابيه احدهم ...

ابن ابيه , مساء جميل بكفك , دام حرفك و نبض قلبك ...

اعذب تحيه للكل .

[خـــــــــــــــالـــــــــد]

اخي ابن ابيه


موضوع رائع و ان كان هناك مفرادت و عادات لم نعتد بعضها ( القانون ) ( الحليب )

لذلك تبدو امتع و اجمل



كل الشكر لك و نطمع بالمزيد