[align=center]
من المعروف المشهور أن الأشياء في قطر من أقطار البلدان لا يلحظها إلا الغريب عنها , فهو يتأمل فيها , ويقارنها بما كان يعرفه من قبل , كاللغة مثلاً , فنجد سيبويه عالم النحو لم يكن له أن يبرع في علمه إلا بعد تلك المقارنة , أما قاطن البلاد فلا يشعر بتلك الفوارق لتعذر غيره ليقارن فيه .
في مقدمة ابن خلدون باب عن أن حملة العلم أغلبهم من العجم , فنجد في علم الحديث مثلاً البخاري ومسلم والترمذي والنووي وغيرهم , ونجد في الفلسفة ابن سينا والتستري وابن الفارض , ونجد في علم اللغة سيبويه والكسائي والفراء وابن درستويه وغيرهم , والمقام يطول في سرد كل الأسماء في بروزهم في كل علم مستقل .
لم يكن العربي يميل إلى العلم وما يكون فيه ومنه كما ميل الأعاجم , فالأعجمي جاء اهتمامه حبًّا في الدين بلا أدنى ريب , ثم لتلك المقارنة التي يجول بها عقله الباطن دون الظاهر , فنجد نفسه تستحثه لطلب العلم , والبحث في تلك الفروق .
حين نعود إلى الوراء من حيث تلك الفروق , نجد أن بريدة لم يعرف أهلها الصناعة , ولم يميلوا إليها , وإنما بقوا في مزارعهم وفي تجارتهم , فكانت الصناعة حصرًا على النازحين إلى بريدة من البلدان الأخرى كالشام ومصر مثلاً , إذ كان أهل بريدة لا يرون في الصناعة كبير شرف لهم , وإنما الزراعة والتجارة هما صنعتا يدهم .
في كتاب العقيلات لمؤلفه إبراهيم المسلم , نجده يحصر تلك الأسماء التي امتهنت حرفة الصناعة , كصناعة الذهب , والأواني , والفرش , وما يوضع على الدواب , وما تحتاجه السواني , من هذه العائلات خرج مسمى شارع الصناعة المعروف اليوم , وكيف أنهم كانوا معروفين بالصناعة دون غيرها على الأغلب .
[/align]