المكان : سوق غرناطة...
تحديداً: أحد محلات الإكسسوار...
وقفت كعادتي شاردة الذهن أمام جمع غفير من القطع الملونة........وأخيرا..تذكرت ما أحتاج!..
سحبت مااخترته وتوجهت بصعوبة للمُحاسب فالمحل مزحوم بالبضائع...... والبشر!..
رجل في أواخر الثلاثين.......امرأة يبدو أنها زوجته وابنة شابة وولدين...
كوّنوا جداراً عازلاً أوحائط صدٍّ حال بيني وبين المحاسب
لا مشكلة سأنتظر.......
لكن...أحسست بأن هناك أمراً غريباً......!
لـِــمَ يبدو أفراد هذه العائلة غاضبين..... ؟!
فالأم تضع يدها على خصرها وكذلك الفتاة!.. وكأني سمعت عبارات تهكمية منهن........!!
وسط تساؤلاتي هذه ارتفع صوت الرجل في حديثه مع المُحاسب وفهمت بأن الأمر له علاقة بالبطاقة المصرفية
وأن هناك عطل في الآلة وليس بإمكانه سوى الدفع....
ضرب الآلة بيده وهو يقول : (فهَـمني يعني كيف ماتشتغل ؟..كيف ماتشتغل ؟؟؟)
بدا على الشاب الإحراج الشديد وكان العرق يتصبب من جبينه وهو يقول: (معليش ياخوي الآلة عطلانة..)
نظر إليه الأب الخلوق باحتقار وهويقول :
(وشّـو عطلانة مكينة ددسن هي؟؟)>>>>تتجلى في هذه الجملة الوقاحة + ثقل الدم +انهبلي علي يامرتي تراي قوي.
حزنت لأجل الشاب ..كان محرَجاً ومتوتراً ويبتسم ابتسامة صفراء للرؤوس الغاضبة أمامه..
ليت الأمر توقف على وقاحة الأب فقط! .. فالزوجة تكاد تحرق الشاب بعينيها وهي تقول: (اسستغفر الله!!!)
أما الفتاة الناعمة فإنها لم ترفع عينيها عن عيني الشاب المسكين >>>>تحدي بزران اللي يرفع عينه يخسر !..
بدت كما لو أنها تفرغ غضبها من معلمتها في المدرسة بهذا المستضعف!
ووسط هذا الجو المكهرب وقعت عيني على فرصة العمر الضائعة أقصد مشتريات هذه العائلة ..يالفرحتي!!..
قطع بلاستيكية أجزم بأن قيمتها لاتتجاوز العشرين ريالاً !!!
رفعت عيني إلى البائع ..لازال مبتسماً!!..ابتسامة بينها وبين البكاء شعرة وشبح البطالة يمر من أمامه متوعداً..
لم أحتمل المنظر لكن ماذا أفعل ؟ ليس بيدي حيلة..سوى أنني غضضت البصر عن وجه ذلك الشاب لأنني أعلم بأنه لا يرغب أن يراه أحد بهذه الحالة..
ألقى الوقح نظرة احتقار أخيرة على الشاب واستدار للخروج مع باقي أفراد العائلة....
تباً لذلك الصنف من البشر ..يالبشاعة تصرفاتهم ..!
حدثت أمي وأخي الأكبر عن هذا الموقف فور عودتي فزادوا الطين بلّـة...(ليتكِ فعلتي كذا )-(ليتك دفعتي الحساب عنهم )-ليتكِ -ليتكِ- ليتكِ....
لكن للأسف لم أستطع فعل شيء... كنت معدومة الحيلة..
فحين تصل بالمرء الوقاحة والدناءة إلى أنه يتلفظ على شخص ما في مكان عام وأمام الجميع بألفاظ جارحة
مع إلمامه بأن الطرف الآخر غير مسؤول عن الخطأ وغير متهم
فلا تستغرب إن عقدت الدهشة لسانك وشل الغضب أركانك ولم تتمكن حتى من رد اعتبار الشخص الآخر..