عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-06, 12:04 pm   رقم المشاركة : 14
قاضي المظالم
عضو جديد





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : قاضي المظالم غير متواجد حالياً

ترن .. ترن .. ترن .. ترن .. صوتُ السَّاعةِ الكبيرةِ الموضوعةِ على المنضدةِ التي تقع شمال السرير يُدوّي في أصداءِ الغرفةِ .. قرعَ صوتُها سمعي .. ففزِعتُ لهولِ ما سمعتُ .. وجزعتُ لاختراقِها طبلةَ أُذُني .. تلَمَّستُ تلك السَّاعة المستديرة بأطرافِ أناملي المتجمِّدةِ .. بسببِ برودةِ المكيفِ الإسبليت (lg) .. ساعةٌ قديمةٌ دخلت في ملكي بعد أن أوصت جدتي لي بها .. نظرتُ إلى عقاربِها .. فإذا بها تُشيرُ إلى الساعةِ الثالثةِ والنِّصفِ قبل الفجرِ .. استعذتُ بالله من الشيطان .. ذكرتُ اللهَ .. عزمتُ على القيامِ لغسلِ وجهي بالماءِ من أجلِ الاستعدادِ للسّحورِ .. نظراً لأنَّ وقت الأذان في الساعةِ الرابعةِ وأربع وعشرين دقيقة .. كنت نائماً في منزل أهلي في الرياض بالأمسِ .. نزلتُ للأسفلِ لأجدَ أخي أبي عزَّام قد جلَسَ على الأرضِ وأمامه سفرةٌ فيها من النِّعَم ما يستوجبُ الشُّكرَ لذي النِّعم مدداً طويلة .. سَلَّمتُ .. جلستُ أمامَه .. سمَّيتُ .. بدأتُ أشاركه الطَّعامَ .. أتى أخي الثاني .. فأخذوا يتحدَّثون عن موضوعٍ أرّقهم وأشغَلَهم .. تعوَّدوا أن ينقلوا لي ما يورِدُ على أفكارِهِم الحيرةَ والإشكالَ في أمورِ الشرعِ أو التعاملِ أو غيرِها مما يظنّون بي أنّي قادرٌ على إزالةِ الحيرةِ وحلِّ الإشكالِ .. تحدَّثوا عن المصائبِ التي تُعرضُ في الشاشاتِ .. أو البلايا والرّزايا التي تُكتبُ في الصُّحُف .. الصورُ والمواضيعُ تتشابهُ لكن الأسماءَ والأدوارَ تختلفُ .. حمَّاد السَّالمي .. المحمود .. ابن بخيت .. محمد بن عبد اللطيف .. طاش ما طاش .. ابن بجاد .. القصبي والسدحان .. بعض دكاترة جامعة الملك سعود – السياسة - .. أمورٌ تختلف وتتفق .. تبتعد وتقترب ..

مما جَعلَ أحدَهم يسألني سؤالاً أورثَ في قلبِهِ حُرقةً وألماً يعتصرُهُ منذ مغربِ الأمسِ .. يدلُّ على بقاءِ بل قوَّةِ فطرةِ التّديُّنِ في الشابِّ المراهقِ .. فقال بلهجتِنا الدارجةِ : ( وراه ذولا حقين طاش ما طاش إلى ها الدرجة حاقدين على المطاوعة ويستهزون بأسماء والقاب الصحابة .. ويهرجون بالحلقات .. ويتطنـزون باهل اللحى والثوب القصير .. من تالي زايدين .. ) .. والحَنَقُ يملأُ صدرَه .. والغيظُ يُحرقُ قلبَه ..

قلت : ما الذي فعلوا بالضَّبطِ ؟! .. فقام بذكرِ بعضِ الأمورِ التي رآها على شاشة (mbc) من تلك الشِّلَّةِ العفنةِ ..

قلتُ : العَتَبُ الأكبرُ واللَّومُ الأعظمُ عليكم .. أن جلستم تنظرون إلى هذا المسلسلِ السيّء الذِّكر .. وتتابعونه .. وتُضيّعون أفضلَ الأوقاتِ .. ليالي شهرِ الصيامِ .. لمشاهدةِ حُثالةِ حُثالةِ المُجتمعِ ..

ردَّ عليَّ محدِّثي : أنا لا أحبهم ولكن أنظر من باب التَّسلية ..

قلتُ : هذا ما نهيتُك عنه من قبل .. فالخطيرُ هو التَّسليةُ .. وانظر كم جَلَبَ عليك المسلسلُ من الهمِّ .. أوجدتَ التَّسليةَ التي تنشُد .. فواللهِ إنَّ الذي يضحك من فعلِهِم لراضٍ به !!

قال مُحدِّثي : لا .. أنا لستُ براضٍ !! واللهِ إنّ استمرّيت أشاهد لأجلِ أن أرى الشرَّ كيف أعرفه ..

قلتُ : هذا بابُ شيطانٍ لا تلجه .. اترك الأمرَ لغيرِك .. تنجو وتَسلَم ..

قال مُحدِّثي : طيب وش السبب أنهم يمثلون بالطريقة هذي ؟؟!! وراهم يعني هم عايشين بالغرب ؟! طيب وين حريمهم وعيالهم وبزارينهم ما يستحون منهم ؟؟

قلت له : إيهٍ يا محمَّد .. هؤلاء لم يدرسوا في الغرب .. بل درسوا هنا وعاشوا حياتَهم هنا .. لكن ما ذا تنتظر من جلساءِ السَّافراتِ .. وخلطاءِ المُتبرِّجاتِ .. أنصافِ الرِّجالِ .. لا واللهِ ليسوا ولا بأنصافِ الرِّجالِ .. بل هم المُتشبِّهون من الرِّجالِ بالنِّساءِ كما تواتَرَ ذلك عنهم .. وثبَتَ لدى الكثير بشهادةِ الاستفاضةِ التي يحكُمُ بها القاضي إذا شَهِدَ بها الشاهدُ ولو لم يَرَ أو يعلم بنفسِهِ وقوعَه ..

قلتُ أخيراً : بل .. هم المُتَخَنِّثون .. نعم المُتخنِّثون ..

قال مُحدِّثي : تدري وش أخاف ؟؟

قلت : ما الذي تخافه ؟؟

قال : أخاف ان الناس يكرهون المطاوعة .. والآباء يبدون يمنعون عيالهم من المراكز الصيفيّة والحلقات .. أخاف بعد يحسبون الناس ان الجهاد ارهاب وذبح بس ..

قلت : أتقصد أنهم يُشوِّهون الصورةَ ويؤثرون في القناعات ؟

قال : إيه ، أنا أخاف كذا .. لكن أبسأل هل هم ينطبق عليهم أنهم استهزوا بالله وآياته ورسوله .. يعني هم كفار ؟!!

قلت له : هذا مقامٌ طويلٌ .. يحتاجُ لتفصيل .. يتولاَّه أهلُ العلمِ .. فالتَّكفيرُ بالعينِ يحتاجُ إلى توفر شروطٍ وانتفاءِ موانعٍ .. ولا يُطبِّقُها آحادُ الناسِ .. بل مردُّها إلى العلماءِ .. وتطبيقُها يستلزمُ أحكاماً وأموراً تترتَّبُ .. لا بدَّ لها من قاضٍ يُعمِلُها ..

قال : وشو التكفير بالعين ؟؟

قلت له : ألم تدرسوها في المرحلةِ الثانويَّةِ ؟ أنت الآن في الصف الثالث ثانوي ..

قال : نسيته ..

قلت : هو تكفير نفس الشخص .. بأن تقول : فلان من الناس بعينِهِ كافر ..

قال : طيب آآآآآ ..

قلت : بس .. الظاهرُ أنَّ المؤذنَ أَذَّنَ .. فتوقّف عن الأكلِ .. ولا تُكثر من الكلامِ ..
لكن يا محمد اعلم أنَّ كَثيراً من الأمورِ التي تُنشرُ في الإعلامِ والصُّحفِ .. من كتابات أو مسلسلات وراءها فئةٌ تتربّصُ بكلِّ ما له علاقةٌ بالدِّينِ .. وإني أُسمّيهم كما سمَّاهم أحدُ المشايخِ الفضلاءِ : ... المنافقين الجُدُد ...

قمنا إلى الصلاةِ فتوضَّأنا ، ونحنُ في الطريقِ للمسجدِ عادَ ليسألني نفس السؤال لكن بصياغتي أنا : هل نجح المنافقون الجُدُد في تشويه صورةِ الصالحين ؟ وهل أثَّرَ ذلك في قناعاتِ النَّاسِ ؟

فكتبت للتوِّ عن الذين يكتبون في الصُّحُفِ والمنتدياتِ بكلِّ جرأةٍ في استهزاءٍ صارخٍ ونقدٍ مجحفٍ لأهلِ التَّديُّنِ ، لكبارِ العلماءِ ، لطلبةِ العلمِ ، لأهلِ الحسبةِ والهيئاتِ ، للقضاءِ ، لحلقاتِ التحفيظِ ، للمناهجِ :
أقول عن هؤلاء : لو كان القصدُ هو الإصلاحُ لعدلوا ولأنصفوا في الطرحِ ، إلاَّ أنَّ الحملةَ الشَّعواءَ تدلُّ على أنَّ الأمرَ ليس كذلك ..

( المستهزؤون بأهلِ الدِّينِ )


إنَّ سَبَّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وتنقيصَه وعيبَه ، كُلُّ ذلكَ لا يقولُهُ إلاَّ مَن هو فاسدُ القلبِ ، وكثيراً ما يصدُرُ ذلك عن المنافقين ، وإنَّ مِن سبِّ الرسولِ والاستهزاءِ به تنقُّصُ سُنَّتِهِ ، ومظاهرِ السُّنَّةِ ، وانتقاصِ أتباعِهِ لما ظَهَرَ عليهم من اتباعِهِ وتطبيقِ سُنَّتِهِ ، والاستهزاءِ بأهلِ الدِّينِ لما يظهرُ عليهم من الاقتداءِ بسُنَّةِ المرسلين ، يقول شيخُ الإسلامِ بن تيميَّةَ رحمهُ اللهُ -: " الإيمانُ ، والنفاقُ أصلُهُ في القلبِ ، وإنما الذي يظهرُ من القولِ والفعلِ فرعٌ له دليلٌ عليه ، فإذا ظَهَرَ من الرجلِ شيءٌ من ذلك تَرَتَّبَ الحكمُ عليه ، فلمَّا أخبرَ سبحانه أنَّ الذين يلمزونَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والذين يؤذونه من المنافقين ، ثبَتَ أنَّ ذلك دليلٌ على النِّفاقِ وفروعٌ له ، ومعلومٌ أنه إذا حصَلَ فرعُ الشيءِ ودليله ، حصَلَ أصلُهُ المدلولُ عليه ، فثَبَتَ أنه حيث ما وُجِدَ ذلك كان صاحبُهُ منافقاً ، سواء كان منافقاً قبل هذا القولِ ، أو حَدَثَ له النِّفاقُ بهذا القولِ " ) ) .
[ انظر : الصارم المسلول ( ص 35 ) ] .

إذاً حيثما وُجِدَ العيبُ واللَّمزُ دَلَّ ذلك على فسادِ قلبِ صاحبِهِ ، فهذا الفسادُ الظاهرُ دليلٌ على فسادِ الباطنِ ، لأنَّ المؤمنَ مأمورٌ بتعظيمِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وتصديقِهِ فيما أخبَرَ ، وطاعتُهُ فيما أَمَرَ .. " والسَّبُّ إهانةٌ واستخفافٌ ، والانقيادُ للأمرِ إكرامٌ وإعزازٌ ، ومُحالٌ أن يهين القلب ، من قد انقادَ له وخَضَعَ واستَسلَمَ ، أو يَستخفّ به ، فإذا حَصَلَ في القلبِ استخفافٌ واستهانةٌ ، امتَنَعَ أن يكون فيه انقيادٌ واستسلامٌ ... وهذان ضِدَّانِ ، فمتى حَصَلَ في القلبِ أحدُهُما ، انتفى الآخرُ ، فعُلِمَ أَنَّ الاستخفافَ والاستهانةَ به ينافي الإيمانَ منافاةَ الضِّـدِّ للضِّـدِّ " ) ) .
[ انظر : الصارم المسلول ( ص 521 – 523 ) ، وانظر : ( ص 527 ) ] .

المنافقونَ الجُدُد يقذفون غيرَهم بالنِّفاقِ والكذبِ .. وهم للنِّفاقِ أقربُ .. وهم والله أكذبُ .. تعرفهم في لحنِ القولِ ..