عرض مشاركة واحدة
قديم 30-05-02, 10:22 pm   رقم المشاركة : 3
أباالخــــــيل
عضو مميز





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : أباالخــــــيل غير متواجد حالياً

1 -التأثيرات الخارجية والعوامل الداخلية في انتشار الفكر العباسي



ماهر عبد الله: سيدي، أنت سألت سؤالاً ولم تقصد به أن تستفهم بقدر ما حاولت أن تقر حقيقة وهي أن الفكر الإسلامي، الدارج هذا هو فكر الإسلام الصحيح أم هو الفكر الإسلامي العباسي، لكن لو قبلنا هذا.. ماذا تقصد بالفكر العباسي، المرحلة العباسية المزدهرة فكرياً، يعني لو أخذنا المأمون وما قبله وما بعده، ساد فيها الفكر المعتزلي وكان دين الدولة الرسمي، ثم جاء من بعده وحافظوا عليه لكن بحماس آخر، ثم ساد فكر آخر، عندما تقول الفكر العباسي، ما الذي تقصده بسيطرة الفكر العباسي هل هو الفكر الأشعري الذي هو مذهب غالبية الأمة الإسلامية اليوم، هل هو الفكر المعتزلي مذهب المأمون، ونخبة علماء الكلام المسلمين، هل هو الفكر الخارجي أم هو الفكر الشيعي والذي لم يكن ضعيفاً .

د. عبد الله الحامد: الذي أقصده إنه جميع إنتاج الفرق الإسلامية في العصر العباسي بحاجة إلى مراجعة ولا هذا يخص فرقة دون أخرى لماذا؟ لأن كل هذه الفرق تعرضت إلى مؤثرات عامة، فأول هذه المؤثرات الخلفية المعرفية، لم تكن عند كل علماء الفرق خلفية معرفية في علم السياسة ولا في علم الاجتماع ولا في علم الإدارة، ولا في العلوم الطبيعية والتطبيقية والبحتة بالقدر الذي هو لدينا اليوم، وبالتالي عندما قرأوا القرآن الكريم والحديث الشريف فهموه من خلال الخلفية المعرفية التي لديه، ولذلك عندما جاءوا إلى الشورى اختلفوا فيها هل هي واجبه أم غير واجبه؟ ثم عندما حددوا أعضاء كم عدد الشورى بعضهم قاسهم على صلاة الجمعة على العدد الذي تتم به صلاة الجمعة وهو أربعون، وهذا يدل على ضيق الأفق في فهم القرآن الكريم، بينما علم السياسة هو علم إدارة من شؤون البشر، الله سبحانه وتعالى وضع مبدأ العدالة (يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس) الأمر بالحكم بالقسط، والشورى من أدوات القسط، وآلياتها التي تتفرع منها لا تحتاج إلى أن نختلف فيها وخلافهم حول هذه النقطة يدل على أن العيب منهجي في جميع الفرق، وبالتالي عندما قرءوا الإشارات القرآنية في علم الفلك أو في علم الجغرافيا حتى صار لهم حتى في القضايا المؤكد حقيقتها رأيان، وهذا يدل على إسفنجية التفكير، يجوز أن تجد رأيين في الوضوء من لحم الجزور أو في الجهر بالبسملة أو الإسرار بها، لكن أن تجد رأيين في الشورى فهذا يدل على خلل معرفي.

ماهر عبد الله: يعني هذه –إذا سمحت لي- صعب أقبلها منك لسبب بسيط وهو إن هذه الفترة التي نتحدث عنها لو أُصيبت بهذا الخلل المنهجي في التفكير لما كانت تقريباً أحسن عهودنا ازدهاراً، يعني نحن نتحدث عن الفترة الذي.. التي كانت الأمة فيها بكل معنى الكلمة أمة مبدعة، تقدمت في علم الإدارة.. يعني ليس من الإنصاف أن نقارنها بما نحن عليه اليوم في علوم الإدارة والاجتماع وحتى العلوم البحتة، المسألة نسبية في ذلك الوقت هل كانت أمة أرقى من تلك الأمم.. بغداد التي نعرفها بغداد الرشيد؟

د. د. عبد الله الحامد: عندما ننظر إلى الأمة في مستوى قوله تعالى: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس) نجد أن هناك خللاً، وهذا الازدهار العباسي كان بقوة الدفع الأولى قوة الحماس التي أشعلها القرآن، والرسول –صلى الله عليه وسلم- وصحابته وخلفاؤه الراشدون، قوة هذه الدفع ظلت تدفع هذه العربة ثم بعد ذلك انطفأ وخمد الشيء رويداً رويداً، فظهرت العيوب التي تتصل بمسألة الحضارة، ثم هناك كثير من علمائنا من أسباب فقر أو جدب الفكر الإداري والسياسي والمدني في العصر العباسي أن كثيراً من الفقهاء كتبوا في ظل الحصار السياسي، فلم يكتبوا في الفقه السياسي في علم الكلام، هل يعتقد أحد أن كتاب المارودي في "الأحكام السلطانية" أو كتاب "البيان" كتاباً في علم السياسة بمستوى إسلام، دعنا من مستوى.. يعني علم السياسة كما هو الآن، فبالتالي هناك الفكر الإسلامي تأثر بمؤثرات منها الروح الصحراوية التي حملها العرب من جزيرتهم، وبالتالي ظهرت في الفكر الديني من خلال مقولات وآراء عديدة.

ماهر عبد الله: بس عفواً هذه تذكرها شنو يعني الصحراوية إيجابية أم سلبية؟
د. عبد الله الحامد: لأ، سلبية.. سلبية يعني ركزت مثلاً على فكرة السلطان وأنه إذا صلح يصلح العالم، بينما حقائق علم الاجتماع تقول: "إن صلاح السلطة من صلاح المجتمع" وبالتالي هناك علاقة تبادلية وليس صحيحاً ما يُقال إن.. "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، صحيح هذه الكلمة لعثمان، رضي الله عنه، لكن هذه ليست حقيقةً علمية في علم الاجتماع السياسي، فإن الله يزع بالقوة المجتمعية، ثم بعد ذلك هناك الروح الكسراوية تأثر بها الفقهاء، وبالتالي منحوا مثلاً الحاكم سلطات لا حدود لها، وصار الحاكم هو أدرى بالمصلحة، ثم رووا أحاديث فيها الضعيف، وفيها الموضوع، وفيها المحرف عن إنه أطع السلطان ولو سلب مالك ولو ضرب ظهرك، ونحو ذلك.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: بس.. بس مرة أخرى اسمح لي بالمقاطعة يعني كيف تتهم تلك الفترة تحديداً بالكسراوية ونحن نتحدث عن مرحلة مفصلية كان زعيمها ورمزها في مرحلة من المراحل أحمد بن حنبل، الذي أقل مما قيل إنه صاحب أكبر محنة –
إذا جاز التعبير- سياسية أخذ من الخليفة موقف سُجن بسببه وعُذِّب بسببه؟ كيف تتهم فكر أحمد بن حنبل بالكسراوية؟ قد نختلف أو نتفق في موضوع الصحراوية نعم، لكن في الكسراوية أحمد بن حنبل الذي تحمل كل ما تحمل من أجل موقف، هو الذي كان يراجعه الخليفة شخصياً، ليس فقط السجان أو.. كيف تتهمه بأنه اقتبس من الكسراوية ليعطي للسلطان صلاحية مطلقة؟

د. عبد الله الحامد: العفو أنا لا لا..

ماهر عبد الله: لا ليس أحمد بن حنبل تحديدا، بس هذه.. تلك الفترة كيف نتهمها بأنها أدخلت في فكرنا السياسي الإسلامي كسراوية وأحد رموزها الكبار، لو رجعنا قليلاً للحسن البصري أيضاً كان متمرداً وشارك في أحد الثورات ضد الأمويين، وهؤلاء تركوا بصمات، الحسن البصري له بصمات في الفكر الإسلامي، كما لأحمد بن حنبل بصمات كيف يكون كسراوياً من ثار على السلطان بهذه الطريقة؟

د. عبد الله الحامد: أحمد بن حنبل والحسن البصري والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرها من الثوَّار الأحرار، هؤلاء يمثلون النشاز في الخط العام، الخط العام هو إعطاء الحاكم سلطة لا حدود لها حتى تجد في أنه له سلطة في حتى تعيين إمام مسجد صغير في قرية نائية، وهذا طبعاً إخلال بمفهوم العدل بشكل عام، ثم هناك مقولات مثل الأحاديث التي تُروى "أعطوا الأمير ماله وأسألوا الله الذي لكم" هذا الفكر أشاع اللامبالاة والحقيقة لا يمكن أن يقاس الفكر الإسلامي بمقياس مثلاً الحسن البصري أو سعيد بن جبير أو أحمد بن حنبل أو غيرهم من الأحرار الذين أدركوا مسؤوليتهم الاجتماعية، إنما يُقاس بالكم الهائل من العلماء والمثقفين وهذه ظاهرة عامة دخل فيها الأدباء والشعراء والمؤرخون وهي تقديس الفردية، وبالتالي لماذا لم ينضج الفكر العباسي مثلاً ما أنضجه الغرب من فصل بين السلطات ومن حقوق الإنسان ومن مجتمع مدني، مع أن الإسلام قدم للبشرية القيم المدنية في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين؟ فهذا النكوص عن المنهج الراشدي لا شك أنه تأثر بالكسراوية وإلا بماذا يكون؟ ثم هناك مؤثر آخر الذي هو أيضاً الفكر اليوناني التجريدي الذي أيضاً دمر عقلية الأمة، وما المعركة التي حصلت في عهد المأمون إلا دلالة على أن الأمة بدأت تضع الثانويات محل الأوليات، وبالتالي ظهرت النزعة الصوفية، داخل هذا النسيج، دخلت الخيوط الكسراوية، والصحراوية، والصوفية، والتجريدية في نسيج الفكر الإسلامي، وبالتالي نحن جئنا اليوم لنقرأ هذا الفكر على أنه هو الإسلام، طيب أين مبدأ العدالة.. العدالة الاجتماعية مثلاً في الفكر الديني؟ نعم، نجد نصوص لابن تيمية ولغيره من.. من العلماء، لكن هذه النصوص أولاً قليلة، الشيء الثاني أنها مجرد لفتات لا تشكل خطاباً فضلاً عن أن تصوغ نظريات، خذ مثلاً حديث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم- عن "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" هذا الحديث كان ممكن أن تُبنى عليه نظريات الجهاد المدني بأن يدافع العالم والمثقف كل سلطان جائر، سواء كان سلطاناً ثقافياً، أو سلطاناً اجتماعياً، أو سلطاناً سياسياً، نظرية إهدار الحقوق المدنية ليس مسؤولاً عنها المثقف الديني.


يتبع......







التوقيع


أيها ذا الشاكي وما بك داءٌ * كن جميلاً تر الوجود جميلا