قُدر لوالدتي _أمنّ الله عليها بالصحة _ أن ترقد في مستشفى الملك فهد التخصصي ببريدة لبضعة أيام ، و بقيت للمرافقة معها علّي أحظى برضا ربي من رضاها ، و لِما تراكم في عقلي الباطن و الظاهر من قصص و حوادث و قضايا .. تجمع على فشل المستشفى و تلاعب القائمين عليه .. كنت أرتقب جميع التحركات و الإجراءات خشية أن تكون والدتي _ اسم الله عليها_ أحد ضحايا تخبطاتهم .. وللأمانة .. لم نرى منهم ما يسوءنا .. إلا بعض الملاحظات اليسيرة .. و إليكم مادونت يميني بالتفصيل .. يعمد الأطباء و فريق الممرضات و أغلب العاملين هناك إلى التحدث فيما بينهم بـ اللغة الإنجليزية .. ولم يتوانوا طبعاً في شتم المرضى والاستهزاء بهم ..و بكل جرأة ، و كأن لا أحد يفهم تلك اللغة سواهم .. أو بالأحرى : ( أنا طبيب و أدخل الآن على قطيع غنم ..!! ) .. غير أن المتابعة من قِبل الأطباء لم تكن بصفة دورية – يومية – كما هو متعارف عليه في جميع مستشفيات العالم ، إنما يحل ضيفاً كلما ساعدت نفسيته على ذلك .. و إلا : فالأعذار و الاجتماعات بالأخص .. كثيرة ! بما أننا بقينا في غرفة واسعة " من اللي همّ " لوحدنا .. لمدة يومان أو أقل .. قبل أن تُملأ بالمريضات .. فقد كانت غرفتنا ملاذاً طيباً للحش و الفضفضة .. و الغزل أحيانا .. اجتمعت ذات مرة عدد من الممرضات و الموظفات ( السعوديات ) .. وأخذن يلطمن حظهن البائس .. و يشكين مديرهن الجديد " القادم من الخارج " .. و يصفنه بــ مدعي المثالية و مفرق الشِعب .. و عرفن الآن قيمة : ولد الهوته .. ، و كما تتوقعوا .. لم يخلو اجتماع ن النسوة من جلسات الحش في بعض الزميلات و الزملاء .. أما مسلسل الغزل .. فقد كانت بطلته نجمة و لكن ليست مضيئة .. إنها مظلمة للغاية .. فهي على ما يبدو : رئيسة عاملات النظافة – بنغالية الجنسية ، ذات صوتٍ أجش يصحي النائم ، و ينرفز الصاحي .. و أسلوبٍ غير رقيق في المخاطبة .. فلم تكن تأبه لنظافة الغرفة ، أو تجفيف المرافق الأخرى .. إلا بعدما تبل ريقها بـ " خمسة ريالات " أو قارورة ماء صحة ، و باقي وقتها تمضيه على نافذة غرفتنا .. تتضحك و تتمايل و تسبل عيناها .. و هي ممسكة بــ جوالها العنيد و تخاطب " شخص ما" .. و قد احمرت وجنتاها حياءاً .. ( هه مافيه أمل تحمر !! ) لم أدرك يا أحبتي مقولة / إن الفراغ لقاتل ! .. إلا بعدما أمضيت ما يقارب الشهر من الزمان بلا أي أنشطة .. أعمال .. اتصال .. فالجو الداخلي للمستشفى مختلف و منفصل تماماً عن حياتنا الاعتيادية .. قرأت الكتاب _ ما كان معي غير 1 بس _ حتى اشتكى مني الكتاب فتركته جانباً ..فجعلت أعد بلاطات الأرضية و مربعات السقف حتى أحصيت أعدادها تماماً .. و انشغلت بالسرير الجميل و حركاته عالية التقنية .. حتى انضمرت سبابتي من الضغط على الأزرار .. فلم يكن امامي سوى التعرف على الفلبينيات .. و تبادل الاخبارو الطرائف معهن ..حتى صادقتهن أيما صداقة .. !! لولا أنهن يضايقنني بتسلطهن أوقات نومنا بقولهن : ( ماما .. بيه تهليل ) .. ( ماما .. بيه طقطور إيجي الهين ) .. إلخ الفترة الوحيدة التي كنت أقدرها و أسعد بها .. هي فترة الزيارة .. ليس لأنني سألتقي بأفراد عائلتي و معارفي ..لا ، بل لأني " سأحظى بمعشوقتي " .. اتطلع بشوق يومياً إلى الساعة الثالثة عصراً .. حيث موعد الزيارة يبدأ و يحين موعد حصولي عليها .. نعم إنها معشوقتي : ساندوتش اللحم المفروم .. من مقصف الهندي مقابل المواقف الخارجية للمستشفى .. فهي التي ترم عظمي .. بدلاً من وجباتهم عديمة الطعم و النفع .. كنت اجهل استخدام اللحم المفروم في غير المحاشي و المكرونة .. ولكن ، اليوم اكتشفت طبق جديد و لذيذ ، و لا أخفيكم سراً .. لقد أدمنت ساندوتشات أبو فارس الهندي .. و في كل مرة أعود من المقصف .. كان يستقبلني ذلك السكيورتي الضخم ، بعبارة حفظتها و حفظ ردي عليها : السكيورتي : وين وين وين ..!!!؟؟ الذاهبة : أنا مرافقة .. السكيورتي : وين الورقة ؟! الذاهبة : نسيتها فوق عند أمي .. السكيورتي : طيب ، مرة ثانية روحي مع المصعد حق الزوار ، لا تجين منّا .. الذاهبة : طيب .. * وبقلبي أقول : هه أصلا ما أدل إلا هذا .. و احلم أجي مع غيره أخاف أضيع .. * و أتفاجأ عند صعودي بالأشكال المريبة التي تقابلني في الأسياب .. ففي كل يوم تقريباً أجد ( شاب ) يمسك بيد ( شابة ) و عيناهما تتراقص رهبة .. و يجولان في أرجاء المستشفى .. ولا كأنهم بين ( مرضى و مريضات ) ومن ابتلاهم بالمرض قادر على أن يبتليهما بأضعافه .. و صدق من قال : المستشفيات بيئة خصبة للمقابلات .. ولكن : مادور الأمن و السكيورتيه هنا .. ؟؟ أو شاطرين بس علينا .. ؟! أتمنى أن تروق لكم شخبطاتي .. و أسأل الله ألا يريكم مكروه .. دمتم في رعاية الله ..