عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-04, 12:57 am   رقم المشاركة : 10
ماجد الأول
عضو قدير
 
الصورة الرمزية ماجد الأول





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : ماجد الأول غير متواجد حالياً

[align=center]( 5 ) [/align]
[align=justify]المائيات:
إن مما حبا الله به بلاد الأندلس، تلك الأنهار الوفيرة المياه، التي أحيت جنبات الأندلس، ومدت رياضها بالخضرة الساحرة والجمال، وقد كانت أكبر مدن الأندلس تقع على ضفاف هذه الأنهار، مثل: أشبيلية وغرناطة، وقرطبة، فجعل الشعراء الأندلسيون يتخذون من ضفافها أماكن للهو والمتعة، ومن صفحاتها بساطاً تجرى عليه زوارقهم، وهم مع كل هذا يغنون ويطربون وتجود قرائحهم شعراً عذباً أخاذا.

وبسبب تطور الحضارة، أدخل الأندلسيون مياه الأنهار إلى قصورهم لتجري البرك الفخمة في أفنيتها من خلال أفواه التماثيل، فصار ذلك منظر أشعل خيال الشعراء، فتغنوا شعراً عذباً رقيقا في وصف البرك والتماثيل والقصور.

إضافة إلى تلك الأنهار تناثرت بأرض الأندلس أودية ممرعة خضراء، كانت تمتد على ضفاف الأنهار، اتخذ بعضهم منها سكنا، فتكونت بذلك مدن كانت آية في الحسن وجمال الطبيعة.

إن شعر الطبيعة الأندلسي في المائيات، لم يكن ليصل إلينا لولا إرادة الله ثم أن الشعراء قد تمثلوا تلك الأنهار الرقراقة والبرك المتناسقة والأودية البضة وما يتصل بها من مظاهر الطبيعة من شمس وقمر وصبح وليل ومد وجزر وفجر وأصيل. هذا أبو محمد بن صارة الشنتريني يحاول وصف بركة حوت سلاحف ويقول في ذلك.

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لله مسجورة في شكل ناضرة = من الأزاهر أهداب لها وُطُف
فيها سلاحف ألهاني تقامصها = في مائها، وَلَها من عَرمَض لُحُف
تناقر الشط إلا حين يحضرها = برد الشتاء فتستدلي وتنصرف
كأنها حين يبديها تصرفها = جيش النصارى على أكتافها الجُحُف [/poem]
وقد ولع الأندلسيون بوصف الأنهار على نحو لم يرد عند غيرهم حتى أنهم ولّدوا من وصفها صوراً عديدة كانت غاية في الروعة والجمال. هذا ابن خفاجة يرسم صورة رقيقة أنيقة للنهر، فيبدع فيها وكأنه يكتب أبياتاً غزلية لمحبوبته.

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لله نهر سال في بطحاء = أشهى وروداً من لمى الحسناء
متعطف مثل السوار كأنه = والزهر يكنفه مَجر سماء
قد رق حتى ظُن قرصا مفرغاً = من فضه في بردة خضراء
وغدت تحف به الغصون كأنها = هُدْب يحف بمقلة زرقاء
والريح تعبث بالغصون وقد جرى = ذهب الأصيل على لجين الماء [/poem]
ومن اللوحات الجميلة التي رسمها شعراء الأندلس في وصف الأنهار أبيات الرصافي الرفاء الذي يتألق ويبدع في وصف النهر، بما ألبسه من تشبيهات وبما أنعم عليه من ألوان الروعة والجمال يقول:

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ومهدل الشطين تحسب = أنه متسيل من درة لصفائه
فاءت عليه مع الهجيرة سرحة = صدئت لفيئتها صفيحة مائه
فتراه أزرق في غلالة سمره = كالدارع استلقي بظل لوائه [/poem]
أما عن الزوارق التي تملأ صفحة النهر فحدث ولا حرج، فالأندلسيون منحوا هذه الزوارق التي تمخر العباب من عنايتهم الكثير، وخلعوا عليها الصور البارعة، كيف لا وهي من أدوات متعتهم بالنهر في الفجر وأثناء الأصيل، بل لقد كانت مسرحا للعبهم ولهوهم:
ركب ابن صارة الشنتريني زورقاً في نهر أشبيلية ذات مساء، فألهمه الجو والنهر والزورق هذه الأبيات التي لا تخلو من روعة وغرابة في آن واحد.

[poem=font="Simplified Arabic,4,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تأمل حالنا والجو طلق = محياه وقد طَـفَل المساء
وقد جالت بنا عذارء حبلى = مَجَاذب مِرْطِها ريحٌ رخاء
بنهر كالسجنجل كوثري = تُعبس وجهها فيه السماء [/poem]
ولو أردنا الحديث عن المائيات في شعر الطبيعة الأندلسي، لطال بنا الحديث، حيث إن الأندلسيين وصفوا كل ما له علاقة بالماء. فقد وصفوا البحيرات وسباق الزوارق! وظاهرة المد والجزر، والخلجان والغدران والدواليب التي تمتح الماء في الأنهار والجداول
ومجمل القول في شعر المائيات الأندلسي أن الأندلسيين قد أبدعوا أيما إبداع في شعر المائيات، حيث خصبت أخيلتهم وسخت عليهم قرائحهم، بالمعاني الزاخرة وبالأساليب المتقنة، وعمدوا إلى الإطراف والجدة من أجل أن يتميزوا ويفوقوا شعر المشارقة في هذا الموضوع إلا أنهم غفلوا عن روح الفكاهة والمرح التي امتاز بها شعراء المشارقة وعلى رأسهم الصنوبري.
[/align]


...







التوقيع

[align=center](ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)[/align]