في القاهرة تحديداً يوم السبت ونحن نسابق الزمن للعودة للرياض الإقلاع الساعه 6:30 مساءً بتوقيت القاهرة كان الجو مشحونأً والأعصاب مشدودة كنا نخشى أن ترحل الطائرة بدوننا " كارثة " فحصولك على حجز رحلة للعودة يشابه لحد كبير الحصول على جواز سفر مزور خرجنا من فندق " النبيلة" الساعة 2:30 بعد الظهر ، ووجدنا أبا محمود ينتظرنا بالخارج كانت السيارة بعيدة نوعاً ما من مدخل الفندق حمل الحقيبتين وتوجه مسرعاً لسيارته ليقودها باتجاه المدخل بعد أن تلقفته نظرات خالد الحادة فقد أفهمه مسبقاً أنه لايستطيع الإعتماد دائماً على عكازه عند تجاوز الرصيف الفاصل بين مدخل الفندق ومواقف سيارات الأجرة لاأعلم لما كان الانتظار طويلاً بالرغم أن الأمر لم يستغرق أكثر من خمس دقائق غادرنا شارع جامعة الدول العربية وودعنا نادي الزمالك المصري بأسواقه الجميلة المحيطة به و التي تطل على أجمل شارع شاهدته في حياتي كلها وتوجهنا للطريق الموصلة للمطار قال لنا أبو محمود بلهجته الصعيدية " البلد مقلوبة " واكتشف بعد اتصالات متعدده مع زملائه أن سبب الإزدحام هو " معرض الكتاب " همست في أذن خالد ساعتها : يا الله الى هذا الحد يحب العرب القراءة ؟! لم يجبني واكتفى بعلامات التعجب التي رسمها على وجهه الملئ بتعابر القلق والخوف كان الضغط النفسي رهيباً على أبو محمود فقد حملناه مسؤولية التأخير _ ولم يكن هنالك تأخيراً حقيقياً _ولم نترك وسيلة مباشرة أم غير مباشرة دون أن نستغلها للضغط عليه حتى نصل للمطار بأقرب فرصة وبينما يحاول أبو محمود التملص من بين السيارات كادت أن ترمي بنا سيارة صغيرة من فوق كبري 6أكتوبر واكتشفنا بعد أن تجاوزنا مرحلة الخطر أن من تقود تلك المركبة سيدة ثلاثينية جميلة وعندها ثارت ثائرة أبو محمود فقط لأنها امرأة ولم يترك كلمة تقال أم لاتقال الاا ونطق بها حينها التفت الي خالد بابتسامة ساخرة وقال لي : "وتبن تسوقن يالحريم ؟ !! شوفي هذي اللي بغت تضيعنا " أنهيت الموقف بابتسامة تكاد تكون مصطنعة فمزاجي كان متعكراً نوعاً ما فلا الازدحام ولا الوضع النفسي يسمح لي بالدخول بأي حوار شعر خالد بالقلق الذي بداخلي وكان يحمل أضعاف أضعافه فسألني ملطفاً للجو الذي شحنه بقلقه وحزنه الذي لم يفارقه طيلة الرحلة : هل شريط " سعد الصغير" معك؟! نبي نوسع صدورنا ورانا طريق الرياض القصيم _ طبعاً يقصد شريط أبا محمود الذي أستولى عليه بالأمس_ أجبته بعد أن فهمت مقصده من سؤاله بأني أحمله في حقيبة يدي الصغيرة ولن يكون هنالك صعوبة في استخراجه متى أراد ذلك حاول أبو محمود جاهداً اختصار الطريق والهروب من الشوارع الرئيسية المكتظة ودخل بنا الى أحياء صغيرة وشوارع ضيقة تكاد أن تختنق بالأموات قبل الأحياء مجمعات للأجساد الباردة سألنا أبو محمود والدهشة تعلو وجوهنا ، ماهذا الذي نراه ؟! أجابنا بلهجته الصعيدية بعد ابتسامة هادئةلم أكتشف معناها حتى الآن : دي تربة "قبور" لحظتها اقشعر بدني فلكل مبنى باب مغلق بسلاسل وأقفال وهنالك ماهو مفتوح ويلعب بداخله الأطفال كتب فوق كل باب إسم العائلة بعضها مؤرخ والبعض الآخر لاتاريخ له !! فهذه عائلة العقاد وتلك الشربيني وكذلك البشاوات وغيرهم وغيرهم غادروا جميعهم الأرض عدا أجسادهم المتهالكة هنا في هذه اللحظة أحسست بشعور غريب لاأعتقد أن خالد شعر به هذه المرة فتفكيره كان منصب في الرحلة وتبعاتها ولاشئ سوى ذلك فسبحان مفرق الأجساد والأرواح عن بعضها أحياناً نحسد الأموات على موتهم ، فأرواحهم فارقت أجسادهم دون عودة وبغير إرادتهم بينما يعيش معك أحياءً بلا أرواح ولا ضمير ولاحتى إحساس وكل ذلك بإرادتهم أجسادهم باقية وأرواحهم لانعلم أين تتمرغ ؟! " جزء من أحد فصول روايتي قد أكتب لكم مقتطفات منها هنا وقد ترى النور قريباً " ارحب بأي انتقادات أو ملاحظات على الخاص وسأكون ممتنة بكم نرتقي